الاثنين، 27 فبراير 2012

ساقا الغزالة







أسميكِ الغزالة مثلما كانوا يسمون والدكِ: الغزال
وأقول حين أرى الغزالة: ساقا الغزالة هشتان

ساقاك الآن عودا قصبٍ تصّفرُ فيهما الريح لحن الوحشة والنهايات  

ساقاك هشتان لا تتحملان وطأة طيور الألم السمينة التي تتزاحم على كتفيك كل صباح

 حيث الغزالة محبوسة في حصة البطء الصباحية التي لا يحدث فيها شيء ولا يرن فيها هاتف ولا تزور فيها جارة ولا ينحني فيها سياج لساقيك اللتين فقدتا ذاكرة القفز والسهول 


 ومع كل حقنة إنسولين تخترق فخذكِ في الصباح تنشدين:

لا واحلالاة يا السيقان _ لو ينشرن كان أبشريها
كلٍ يدور على السيقان_ وبالسوق مهوب لاقيـها



أتأمل ساقيك يا سيدتي لأن الغزالة التي ركضت كثيراً إلى الآبار لا تستطيع الآن أن تقف لتشرب بنفسها حين تنضب السكاكر في دمها في الليل وتخطفها سماوة النسيان

 أكتب عن ساقيك يا أمي لأن الغزالة التي علمتنا المعانقات وقوفاً لا تستطيع الآن أن تتكيء على ساقيها كي تعانق 

أكتب عن مجد ساقيك اللتين وقفتا لعقودٍ كسنديانتين فوق بلاطات المطبخ وأنت تعدين لنا وجبة في ليالي الشتاء دون أن تتململا من الوقوف 


أستعيدُ خفة ساقيك اللتين وقفتا طويلاً كسارية وأنت تطيرين في الهواء قشور القهوة التي تحمصين بخفة الحواة، أو تخدرين لنا شاي الفجر قبل المدرسة

وأتحسر على مجد ساقيك لأنني حين أرى سيقان الواثبات والعارضات ولاعبات التنس والأكروبات وفتيات الباليه أقلل من مواهبهن حين أتذكر غزالة الماء التي كانت تنقل بخفة،  قدور المياه فوق رأسها عدة أميال كل يوم، دون أن تسندها بيدها، ودون أن تخسر قطرة ماء في الطريق إلى البيت

وأكتب عن ساقيك المتهدمتين الآن لأنني أخجل وأنا أتذكر ركضهما بي في الشموس لأميال بحثاً عن طبيب  في الظهيرة يسعف جلد الرضيع الذي غافلك وأحرق أفخاذه. ثم حين لا تجدين مستوصفاً ولا مسعفاً، تركضين بالطفل ذات المسافة، عائدة بقدمين مشويتين في صيهد الصيف

أكتب عن ساقيك الخائرتين الآن لأن على عشاق الدنيا جميعاً أن يخجلوا من  ساقيك اللتين تسلقتا مرة دار الزوج الذي تركك وذهب مغاضباً إلى الصحراء دون أن يمنحك مفتاحاً ولا وعداً. 
 لكنه حين عاد بعد أسابيع فوجيء برائحة قهوة تنتظره، ودار نظيفة، وامرأة محبوسة تعد القهوة كل صباح وتنتظر عودة الحبيب الهارب.
وحين أقول ممازحاً: هل هناك امرأة في هذا الزمان تفعل فعلتك؟ تقولين بيقين يخطف القلب: تسلقتُ كثيراً من أجلكم! 


أتذكر أمجاد ساقيك فأخجل من كل خطوة أخطوها حين أرى ساقيك المكبلتين بالوهن، وأحاول عبثاً أن أبتكر لك ساقاً أو أتخيل مرهماً سحرياً يمنحك حصة مشي ولو لساعة في اليوم

أكتب وأنا أشعر بالعُقَد التي نفثها العمر في ركبتيك، والسوائل التي تتصلب في مفاصلك يوماً بعد يوم  فلا تقوم ناعورة الأمل بعملها كما ينبغي، وحين تصدأ قواديس الناعورة وتخذلك ساقا الغزالة من جديد، تنظرين إلي وتقولين بنصف ابتسامة:

لا واحلالاة يا السيقان – لو ينشرن كان أبشريها