سقف (المدينة دال)
في
المقهى المسقوف يجلس رجل في قسم الرجال.
في ذات المقهى تنتبذ فتاة طاولة قصية في قسم العائلات.
جدار عازل بينهما وسقف مشترك.
هي ابنة المستحيل. يعلم أن صوتها ووجهها من الأشياء الموصدة. وسيلة الحديث الوحيدة بينهما كانت برنامج دردشة فورية نصية.
في ذات المقهى تنتبذ فتاة طاولة قصية في قسم العائلات.
جدار عازل بينهما وسقف مشترك.
هي ابنة المستحيل. يعلم أن صوتها ووجهها من الأشياء الموصدة. وسيلة الحديث الوحيدة بينهما كانت برنامج دردشة فورية نصية.
سنوات وهو يكتفي بمعرفة اسمها الأول فقط.
يتفقان على الحضور كل أسبوع في المقهى المشطور.
يكتب
لها: نطلب ذات القهوة؟ يطلبان ذات القهوة السوداء.
يقول لها: دعينا ننظر الآن للسقف. هناك تحديداً
حيث يلتقي عمودان أصفران متصالبان في سقف المقهى. ترسل نظرتها للسقف. في ذات الوقت
يرسل نظرته للسقف. ينفث دخان سيجارته عالياً ليلمس الدخان نظرتها العالقة بالسقف.
سنوات تمر.
يتصالح مع كونه لن يعرف شكل صوتها
ولا وجهها. لكنه يأتي كل أسبوع ليرسل أنفاسه للنظرة المعلقة بالسقف.
متحف البريد
بعد
إخماد الحروب والجوع والنساء في البلد أُنشئت مؤسسة بريد بدائية.
يتناقل الناس
حكايات مخيفة عن فظاظة وشبق الجيل الأول من سعاة البريد.
كان كثير
من العمال المهاجرين حديثاً للبلد يشتكون من الوحدة والأشواق وضياع رسائل يترقبونها من الزوجات.
وفي غرفته كل ليلة: كان
أحد هؤلاء السعاة المنتعظين باستمرار يقوم بتحسس المظاريف السمينة التي تعمد عدم إيصالها... ثم بأصابعه المرتجفة يبحث عن صور النساء المخبأة في المظاريف، يختطفها، ليعلقها على جدار غرفته.
في متحفه الشخصي كان ساعي البريد يقبّل كل مساء امرأة غريبة مصلوبة على الجدار وينام.
حسن
سنكر (المدينة ش)
هواء شباط يفترس النازحين على الحدود الشمالية.
وفي
معسكر النازحين المسيّج، يتسلل كل ليلة جندي أسمر نحيل إلى ركن مظلم من السياج المعدني.
ثم من داخل
المعسكر يتسلل شاب وضيء بملابس رثة.
يشعل الجندي سيجارة وينفح الشاب مبلغاً من فتحة السياج المعدني.
يستدير الشاب ويمنح جسده للجندي بما تسمح به
فتحة السياج.
يهتز السياج ويلتحم الجسدان.
عقب سيجارة يهوي.
ورقة مالية تتجعلك بحركات خاطفة متوالية وتتعرق.
وآهة مكتومة وسرية تنتشر في الليل.
هاتف خلوفه (المدينة عين)
وجه موظف الاستقبال الجامد جعل الرجل العجوز يلجأ للمرضى الآخرين لمساعدته
في تعبئة نموذج فتح الملف.
قال لي إن نظره ضعيف جداً وإنه لا يحسن الكتابة. تركت
دوري وأخذته لطاولة قريبة في مستشفى العيون.
-
اسمك يا عم؟ لم يقل شيئاً لكنه أخرج بطاقة
الهوية. إبراهيم خلوفة خلوفة. العمر 80 عاماً. رقم هاتفك يا عم؟ لا أحفظه. ولأنه لا
يرى جيداً ولا يحسن استخدام الهاتف طلب مني أن أتصل من هاتفه على هاتفي لمعرفة رقم
هاتفه المحمول! هاتفه كان قديماً جداً ومتسخاً جداً وزر الصفر فيه لا يعمل!
-
بعد جهد كبير ومحاولات إنعاش بالأصابع والمفاتيح
وسن القلم تنفس الصفر في هاتفه فتمكنت أخيراً من إجراء المكالمة المستحيلة وسجلت
رقم هاتفه في نموذج المستشفى.
-
يريدون هاتف شخص للطواريء يا عم؟ قال لي: ضع رقم ولدي إسماعيل! قلت: هل تحفظه؟هز رأسه وطلب مني أن ابحث عن إسماعيل في الأرقام المخزنة في
جواله.
كان هناك أكثر من أحد عشر اسماعيل في هاتفه. بدأت بسردهم عليه وهو يبتسم ابتسامة نفي بين كل إسماعيل وإسماعيل ويعتذر.
في منتصف السرد قاطعني وقال: يا بني ضع أي إسماعيل تجده في هاتفي فكلهم يعرفونني!
أنهيت تعبئة النموذج وأعدته لموظف الاستقبال.
كان هناك أكثر من أحد عشر اسماعيل في هاتفه. بدأت بسردهم عليه وهو يبتسم ابتسامة نفي بين كل إسماعيل وإسماعيل ويعتذر.
في منتصف السرد قاطعني وقال: يا بني ضع أي إسماعيل تجده في هاتفي فكلهم يعرفونني!
أنهيت تعبئة النموذج وأعدته لموظف الاستقبال.
-
لم تنقطع دعواته الدمثة وضحكاته واعتذاراته عن الصفر
المعطوب في هاتفه وعن كثرة اسم إسماعيل في العائلة وعن بصره الحسير.
ابتسمت له
وأنا أفكر أن الحب في هذا البلد يشبه هاتف إبراهيم خلوفه ذي الصفر المعطوب والمحشو
بأرقام لم يتم نقرها على الاطلاق