يأخذ الله الأم من البيت. يأخذ الله البيت. ينزع الصفحة البيضاء من كتاب الليل. تمّحي أسنان المفاتيح. تندمل مقابض الأبواب. تهرم الأقفال من طول النظر إلى ميداليات من قطفتهم الحكمة وأمعنوا في الرماد. تتلاشى السجدات من مصحف العائلة وعلامات الوقف. تتخلى الأعناب عن رشدها في الطريق إلى السوق. يفسد البيض في قن الدجاج. يشتد برد القهوة . يفتك بوحدته الهيل. السدرة فوق مذبح العائلة تتوقف عن الإنجاب. الندى على السياج دمع عائلة تفقد همزتها كل مساء. المغزل يمسّد عنقه في العتمة، منتظراً يد المرأة التي كانت تخرجه من حقيبة الأيام وتباهي به. الإبرة تفقد عينها بعد نزول الملاك. يبتلع طفلٌ جائعٌ جمرة ويكتب قصيدته الأولى: قسوة الملاك.
آن يأخذ الله خاتم الأم البحريّ تفقد المصابيح قدرتها على الوقوف. الكؤوس في المطبخ تميد. الثريات ترجف كأثاث سفينة تشم حتوفها في المحيط. يلمع وجلٌ حلوٌ في أعين الحيوانات الأليفة، ويتحدث فقراء المدينة عن هزة خفيفة شعروا بها قبل الغروب.
كان يكفي لون خاتم الأم (الشرقي) للمؤاخاة بين ألوان مساحيق المعلمات المرهقات، لترتيب الخوف على أسرة الأطفال المحمومين، لتلطيف ألوان الرجال الذين خسروا الأمل في البورصة ومحافظ الحياة. كان يكفي الخاتم لتحيا البوصلة ولا تتغضن الجهات. كان يكفي خاتم الأم كي تدير خراف العيد وجهها للقبلة بخشوع، وتلمع حُلي الصغيرات، ودلة الرسلان.
وحين تبتلع الأرض خاتم الأم يهرع الملاك صاحب البوق الضخم إلى بوقه يظنها الإشارة المنتظرة لقتل الشرور على كوكب الشر. وهناك، من مكان ما على الكوكب يرسل شخص برقية في الفجر: أيها الموت قطفنا لك الليمون وما انكسرتْ. دلكتْ شقيقاتي قدميك بالفل ولم تتورع عن الأمهات. أسقتك البنات سكّر النبات ستة أشهر ولم يصبح صوتك جميلاً. أما أنتِ أيتها المرأة الوحيدة فلا تقعي في الفخ. أيتها المرأة الوحيدة مثل قصيدة: لا تحبي رجلاً ماتت أمه. فقد كان قلبه في الفص البحريّ لخاتم الأم التي ماتت بالأمس.
يأخذ الله الأم من البيت. يأخذ الله البيت. تقف الساعة المعلقة في البيت. ولا تعود التكّات تؤنس الأولاد الذاهبين منتصف الليل ليتخلصوا من الأذى والبول. تموت ساعة الحائط لأنه لا يعود أحد يطعم الساعة في الضحى نظرته الوارفة، أو يقص عليها وهو ينشج قصة الإفك من كتاب ممزقٍ وعتيق.
يأخذ الله الأم من البيت، يأخذ الله البيت. ولا تعود الجارة التي أثرتْ كبائعة جائلة تحصل على حصتها من البركة. لا، ولا سقف البيت يحتفظ بذخيرته من أعشاب أرامل الحي، ولحاء العناية بشفاههن، أو بخور أصواتهن في الضحى الحميم.
وحين لا أم في البيت: تلغي الشقيقات البعيدات الحجوزات. يغور الكحل في مكاحل الفضة. الديكة تفقد بصرها بوتيرة أسرع، وتتأخر عن سور الفجر. المذياع المخفور بالجلد البني يعاني من هزة الفقد، وضربة على رأس الحنين:الباحثون يجدون صعوبة في الدفاع عن أنفسهم في الأطروحات الجامعية التي تبث في الصباح. الراوية الشهير يخطيء ويتعتع في أبيات شاعرات نجد. عازف الربابة ليس في يومه. والعلماء يتلعثمون في الفتوى المذاعة بعد العِشاء الأخير.
حين لا أم، لا الطريق يفضي إلى البيت. ولا المركبات تحيد عن الطريق إلى سدرة البيت. خيلٌ معصوبةٌ في سفائن شحن تشم مرابطها في القرى. والقرى بيد الله.