أول مرةٍ هبت الريح فيها لم يكن ثمة نارٌ ولا عشاقٌ يذهبون مع الريح.
لم يكن ثمة سفنٌ ولا تجارٌ ولا أمهاتٌ على شاطيء البحر.
كانت الريح تتعلم الذهاب بلا أحدٍ إلى لا شيء.
ولم يكن سهلاً أن يكون للريح معنىً أو حاجبان فاتنان.
طويلاً مشتْ وحدها الريح.
مشتْ قبل ظهور الغصن. قبل حياكة القميص. مشتْ قبل خصلة حواء. قبل ريش الحمام.
ومن شدة المشي بلا أحدٍ صارت مرهفةً كالرمح، وقويةً كدموع الآباء.
مع المشي صارت الريح جميلةً كالبنات يوم الخميس.
لم يكن مهماً من أين تأتي الريح.
لم تعرف الريح يوماً أباً لها.
تعرّفت على الجهات بعد الهبوب.
وأحبتْ كالغربان التقاط الأشياء اللامعة.
واحتفظت بالغنائم في الغيم.
لا عش للريح.
فالمنزل الضخم الذي بنته الريح طوال هذا العمر كان (الذهاب).
وكل الذين قرروا الذهاب مع الريح لم تغوهم الريح بل منزل الريح.
الأطفال والعشاق الذين اختفوا فجأةً لم تعجبهم منازل الآباء وأحبوا منزل (الريح). والمظلات انكسرتْ في المهبّ لأنها ملّتْ من الأمل المتعرق في أيادي الناس.
مرةً واحدة أحبت الريح فصارت رياحاً، وأنجبتْ حصانين لم يتوقفا عن الحمحمة والحرب.
وحين انتهى الحب لم تنته الحرب. لكن عادت الريح إلى بيتها الرحب ، واستمرت في طلاء (الذهاب)، واستمر الناجون من مطويات الأمل، في اللحاق بالريح.