اليد تحت الخدّ في النوم. منذ انتفاخ بطن الأم وانتشار الليل. اليد قبل أن نرى الإبرة والريش. تلتصق بخد النائم مثل أم تجسّ جبين ابنتها التي لا تأكل ولا تود الحديث عن الأيام. الجلد على الجلد. عظمة الخد تلتصق بعظام الراحة. الالتصاق بين غريبين يحترقان كل ليلة في البحر. اللفافة اللحمية التي تكون مشطاً أو راحةً لليد والأشياء. يسمونها راحةً وهي تعب اليد. هي الوسادة القديمة التي تُغسل دون جدوى بالصابون. هي الرحى التي تدقّ سنابلَ الصمت فيفيض فوق الوسادة الطحين والزجاج. راحةٌ تخبز العجين الفائض عن حاجة اللمس. راحة الأكاذيب والأطفال. راحة الرأس المتوج بالهول. لأن الرأس يظن الكف قمراً فيستذئب ويصب فوقها العواء والنشيج. هي التي كانت راحة المؤذن في الوادي وممسحة التعب والمساءات. يسمونها مشط اليد بلا سبب واضح. مشطٌ بلا ذخيرة ولا حول. مشطٌ من عظام وعلٍ وعظاءات. وفي مساء دبقٍ يحدث أن تسهو راحة اليد فتنقلب على بطنها وتعطي الرأس ظهرها الأليم. تنهش الأشاجعً العارية حينها وردةَ الخد. تنسف بعروقها الغليظة ووشومها مرفأ النوم. لذا تفيء الرؤوس الحبيسة إلى باطن اليد. تؤوب الخصل الرمادية إلى الرحم القديم. حَملٌ بطول الحياة، لا يستطيع فيه الرأس أن يولد أو يموت. يعرف الدماغ أنه يتعذب مثل لؤلؤة لزجة، ويظن راحة اليد محارته. والراحة منذ ولادتها تظن نفسها أماً بلا عينين. تظل تبحث وتفتش عن رائحة ولدها الكهل. تعتقد الراحة أخيراً أنها والدة الرأس المقطوع. الرأس الذي لم يعد أحد يتحدث إليه.
تلملم شعثه. أحياناً تصير قبره إذا كان هذا يسعده. تبتلعه مثل حوتٍ لطيف. تصير قبوه الذي تختمر فيه أعناب اللامبالاة. تصير راعياً أضاع أغنامه في فلاة، فأخذ قصبةً وبدأ بالحداء. تصيرُ بئره الجافة التي لا يمر بها أحد. تهدمه وتعجنه من جديد كل مساء مثل نحّاتٍ فقد عينيه. تعجنه كل مساء بينما هو في النوم والحلم والجفاف. تهتم بشأنه مثل طفل ينحت قزماً في الليل، وينتظر أن يمشي في الصباح. يصير الرأس صنيعة اليد. وينقلب أحياناً عجينةٌ غاضبة تلتهم راحة اليد. لأن الغضب خميرة تتسلل في النوم، وتفسد خطوط الصباح.
تتعب كثيراً من أجل الرأس. راحة هذا الرأس المقطوع، تقف مثل مانعة صواعق، وتبكي كثيراً في الأعماق. تلتقط صوراً كثيرة للرأس في النوم. تفسر أحلامه وبروقه، وتطبع قبلةَ على الخد. وحين تمطر طويلاً ذات يوم، تشدها رائحة الطين. تعود سمكةً وتتبعُ مجرى الأنهار.