السبت، 3 ديسمبر 2022

غبار النجوم

 



لم أعد أعرفني بعد أن فاتتني النظرة. 

كانت عيونكِ مشغولةً بانهياراتٍ بعيدة، هدبكِ بانثناءاتِ التانغو، وحاجباكِ بخفة الحواة.

كانت لكِ نظرةٌ من ثلاثة أدوار. في كلّ طابقٍ جزء. وكانت نظرتكِ تخرجُ في وقتٍ واحدٍ من ثلاثة شبابيك.


وأنا الجالس أمام زجاج النظرة، صرتُ رماداً مقوى بعد فشلي في التقاط نظرةٍ واحدةٍ منك.

النظرةُ التي احتفظتِ بها طيلةَ الوقت. نظرتكِ التي كنت تحرسينها بمالديك من فولاذ ومداميك. 
أكنتِ تخبئين النظرةَ في فمك؟ أكان عليّ البحثُ عنها في فمكِ بدلاً من محجريك؟ كيف ما انتبهتْ؟!

النظرةُ التي لم أعرف لها شكلاً، جرّحتني، لأنني لم أرها على الإطلاق. النظرةُ المخبأة في عينيك أخفتني لأيام. لم أعد أعرفني بعد ذاك الليل، لم أعد أعرفُ أنّ لي جسداً يتعثر ويمرض، أو ظلاً يراه الراقصون حول طاولتك البيضاء. 

كنتِ النهرَ الذي يتسلى بالحجارة والمنتحرين. وكنتِ تمحين مستقبل الأيام بمنع تلك النظرة من الظهور. كنتِ تحمين أطفالاً وآباءً في مكان بعيد من حياة جديدة طائشة تلوحُ في تلك النظرة. كان موتُ النظرةِ تلك حياةَ الحياةِ الرتيبة القديمة التي تخشين عليها من كل شيء. وأنا الجالسُ كنت أختفي بشكلٍ تدريجي مع كل لحظةٍ تمنعينَ فيها نظرتكِ من السطوع.

كانت عينكِ ميتةً تقريباً. ميتةً بشكلٍ واضحٍ، حتى وأنتِ تطلقين الضحكات. أكانت الضحكةُ حارسةَ الضوء الآتي من عينيك؟

ولأنك لم تنظري أبداً إلى عيني أحدٍ من قبل، لم يكن في عينيكِ حتى حجرُ زهر. لم يكن في عينكِ فرصةٌ لانبلاج الصدفة أو انشطار النبيذ. كأنكِ خبأتِ نظرتكِ في صقيع النيتروجين. وكانت نظرتكِ المردومةُ ثقباً في صدر من يراك. كانت نظرتكِ المحميةُ في المحجر شتاءً صلفاً وهواءً يقتل الطير.

في اليوم السادس خُلِقَ التعب، وفي السابع نام كلُ شيء في عينيك. وكانت نظرتكِ الغائمة غبارَ النجوم التي طويلاً إليها نظرتُ. 

نظرتكِ المردومةُ نيزكٌ باردٌ يثقب الطاولة الباردة البيضاء. أرى صداعاً مخفىً بمهارة خلفَ أذنيك. أرى في نظرتكِ غبارَ النجوم الذي يخلق الأطفال. ويَذهَبُ الغبارُ حين أفكر فيك. تُتعبني أيامُ السماء الصحو. يتعبني صوتُ النجوم حين أنام.  أعرف أن نظرتكِ الكسلُ المتعمَّدُ للبرق. أشدُّ بصيرتي بالنظر بلا طائلٍ إليك. مفكراً أنّ نظرتكِ الجانبُ المشمس من شارع الصباح. أنّ نظرتكِ الإبرةُ التي كانت أمي تطلبُ أن أنظمها كل مساء. أن نظرتكِ الغائبة ساعةُ ذروةٍ. وأنا كلُّ هذا الزحام.