الجمعة، 25 نوفمبر 2011

تخدرين الشاي والروح



بذات الشرشف العنابي
الشرشف الرهيف المنقط
البارد دوماً
 
تؤوينَ بردَ البلاطاتِ بما يتشققُ 
من كهوفِ الأخمصين
 
واقفةً

تدوّخين السكّرَ والصلاةَ في إبريق


* * * * * * * * * * * * * * *
 
وقتَ تسوقينَ حديدَ الملعقة
ليخدشَ هدأة المعدن
 
تحررينَ أغلالاً راسبةً لتطير
 
وبينما رنينٌ دمثٌ يفركُ الهواء

يسفحُ الماء أعطافهُ

هادراً
كحنيـــــــــــــــن



* * * * * * * * * * * * * * * *

ربما المراميةُ  تنفضُ روحها الآن

أو ربما تمسدينَ أعناقَ حبقٍ
يألفُ برية أصابعك

الأصابع ذاتها التي تغمسهُ في الحميم
ليضلل بدمه ما اعتكر من دمٍ

أو ليعالج الراشفُ ما يطلعُ 
من شياطين .

*********

وإذ تنتظرينَ كظلٍ 

-
ترجمينَ الوحشةَ بغناءٍ وئيد -



يطفو زَبَدُ آخر روحٍ قصيّة
 


وبينما تحرسينَ هلاكَ لهبٍ ضال

تغور وئيدةً رغوة الغرقى
كما سخطكِ الفالت علينا
أيضاً



* * * * * * * * * * * * * *
 
تهبطينَ الآن

ليرشفوا " دم غزالةٍ"
أطلقتِها
في الفناجينِ
لتدوخ شياطينهم

كما لتعلّقي نظراً قصيراً
هناك يومضُ
 
حيث تخدرينَ الروح
 

حيث تخدرين الشايَ والروح














السبت، 12 نوفمبر 2011

لو أن تلك القصيدة لم تعجبك



حين تأتي النوبة أضغط على خاصرتي بقوة
مفكراً أنني لو لم أكتب تلك القصيدة قبل عقدٍ
لربما كنتُ أكثر شباباً مني الآن

لو أن تلك القصيدة لم تعجبكِ  حينها
لربما كنتُ فعلتُ شيئاً آخر في العقد الفائت من حياتي سوى أن أطاردك بلا طائلٍ


 كصيادٍ يطارد أيّلاً في متحف التاريخ الطبيعي

وهكذا أفكر كيف سيكون فيلم حياتي
لو أن الله منحني عشرَ سنواتٍ بمعزلٍ عن برادة صوتك وعينيك:

 كنت سأبدو حينها أكثر شبهاً بأبي بعد أن يطفئ الله جيناتك المعلقة في دمي كعقد مصابيح

كنت سأسافر وحدي دون امرأةٍ تخاصرني بصورةٍ افتراضيةٍ وترسل ظلها ليحرسني  من أذرع الجميلات في وهاد سان فرانسيسكو

كنت سأكتب في المدائن التي أنزل بها عن امرأة عابرةٍ كل مرةٍ كما يفعل على عجلٍ رساموا الشوارع وقطارات الأنفاق

كنت لن أتناول قهوتك بالبندق لسنوات ولن أصاب بحصواتٍ في الكلية إثرها تتركني ممنوعاً من البندق ومشروبات تقوية الأمل

وكنت سأتمكن من النظر الى البئر القديمة في عيني أمي حين أزورها دون أن تنسفها في كل مرةٍ عيناكِ المغروزتان في عينيّ 

في عشر سنوات كما تعلمين يمكن أن يفعل المرء أشياء كثيرة:

مثل أن يبدو طبيعياً ويتحدث كالخلق عن السياسة وخفايا الأسرة المالكة وأميرات الشرق في المنافي وطفولة ستيف جوبز ومؤخرة كيم كاردشيان التي يتحدث عنها كل الرجال الذين لم تجمدهم عيناك

ومثل أن يكون للمرء أصدقاء يتسكع معهم نهاية الاسبوع في بهو الفنادق الفخمة ليتحدثوا عن  الثورات والتنانير القصيرة لزميلاتهم في البنك الفرنسي

مثل أن ينشر كتباً تافهةً من مقابلات نارية كان أجراها مع أشخاص من قش وأقمشة مفبركة

مثل أن يعتني بعضلات جسده قليلاً ويجمع المزيد من قمصان رالف لورين ولاكوست وبيربري

مثل أن يلمع نفسه في الصحف بواسطة أصدقائه النافذين الذين أضاعهم دفعة واحدة حين فجأة التفتَ إليك 

مثل أن ينام مبكراً ليطرد كحل الحبيبة المغشوش وبناتِ نعش من عينيه

مثل أن يجري تلك العملية السرية في جسده التي قيل إنها ستجلب له الحظ 

مثل أن يلحق بتكبيرة إحرام الصبح كي يقرّ بصر الوالدة الذي يطارده السكريّ 

الوالدة التي لا تزال تقص على الملكين بعد الفجر أمنيتها بولد يؤتيه الله الحكمة لتبز به شقيقاتها اللاتي اعتدن على تفريخ القضاة ومفسري الأحلام

ولكن عشر سنوات يا سيدتي من الانشغال بعينيك لم تترك لي القدرة  على انجاز شيئ سوى لف المزيد من سجائر الندم، والنصوص الرديئة التي صرت أكتبها منذ تلك القصيدة التي أعجبتك

الأربعاء، 14 سبتمبر 2011

امشي حافيةً كي تدب الطمأنينة في عروق الرخام


كرسيٌ، و رائحةُ قهوة،
 و عيناكِ
كل ما يلزم لدخول الجنة


  عيناك  تكفيانِ
لأغفو على الورقة الآن

مبللاً حبري بندىً غامضٍ
 قيل إنه دمع ياقتي التي عدّلَتْ  ثنيتها أصابعكِ في الغيب


حين أراك للمرة الأولى

لا تضعي الكثير من الكحل والظل

فأنا أشك في قدرتي على رؤية الأشياء كما هي من المرة الأولى
خصوصاً إذا كانت هذه الأشياءُ باهظةً
 و مليئةً بالتفاصيل
 مثل عينيك

يكفي أن تقولي إنكِ تبرجتِ
لأصدقكْ
واتركي زينةَ عينيكِ للمرةِ القادمة

ارفعي جفنكِ برفقٍ كي يلجَ ضوءُ عينيكِ روحي بهدوء
دعي الشعاعَ يعالج ندمي و عظامي
واتركيه دافئاً و ضاماً كي يرتقَ ثقوبَ عيني، و يصححَ حدّةَ شغفي بالورد

أيضاً

حين أراكِ للمرة الأولى

ارتدي قميصاً داكناً

لأستطيع تمييزَ الظلِ الذي سيتركهُ جسدكِ في الغرفة
ولأنني وقتها

لن استطيع تمييزَ بياضكِ عن بياض الأقمشةِ
 والملاكِ الذي يحرسُ ظهركْ

 

 
ارتدي حذاءً واطئاً
لأصغي إلى الحدائقِ والظلالِ التي تتبع مشيتك

 
أو امشِ حافيةً
كي تَدُبّ الطمأنينةُ في عروق الرخام

ودعي الكعب العالي الذي يخاصر قدمك بشغفٍ
ليطعن روحي بموسيقاه في المرة القادمة

فكما قلت
أحتاج في المرة الأولى
 إلى هدوءٍ و عتمةٍ وظِلال
كي أصدق أنك معي
ولأنني سأحدق فيك طويلاً ببلاهة العشاق
دون أن أرى شيئاً

شيئاً واحداً أستطيع أن أذهب به معي إلى البيت
كطفلٍ
وأحلمَ به

لا تسأليني اذاً
من المرة الأولى
 عن عينيكِ
واسأليني 
عن الظل والعطر و الهدوء الذي سكبتِ بغزارةٍ
 على الكنبات والوسائد

اسأليني عن درجة حرارة الغرفة
وعن درجةِ حرارة أصابعي
ولونِ وجهي
والجنيات اللاتي كن يمسّدنَ حجراتِ القلب
والقهوةِ الباردة
والملاكِ الذي مر بي
ولفّني بجناح نوره

دون أن أراه

الاثنين، 13 يونيو 2011

الحمامة الثانية أكثر عمقاً



كان بيكاسو يقول: المدهش في الحمام أنه حين ينظر إليك، فهو من يشعر بالأمان، مع أن المفترض أن نكون نحن من يشعر بالأمان.



الحمامة لا تشبه أحداً.  طائر المحبة و البريد الأليف الذي أعطاه الله إبرة مغناطيسية ليحفظ جغرافيا الكون وقلوب الكائنات، هو الطائر الذي رأى أولاً، حين جاء بخبر اليابسة بعد الطوفان.


الحمام ليس مجرد مسافر محنك، بل هو فنان مرهف المشاعر بالفطرة، حتى أن علماء النفس في تجربة نادرة أظهروا قدرته-أي الحمام- على التعرف على لوحات بيكاسو و مونيه، والتفريق بينها، وعلى امتلاكه نفس مهارات المقارنة الفنية التي يمتلكها شخص في المرحلة الجامعية لتمييز أعمال فان جوخ و شاكال! (1)



أما لماذا الحمام الآن، فلأنني بعد أن أعدتُ قراءة ملحمة جلجامش –أقدم ملحمة في التاريخ- و جدتُ نفسي أقلب تفاسير سورة هود التي حكت قصة الطوفان، و صدري مكتظ بالحمائم والأسئلة. أما العلاقة التي تربط بين أسطورة جلجامش المكتوبة على ألواح الطين السومرية قبل 4000 سنة وبين سورة هود، فهي قصة الطوفان العظيم، والحمائم، والبحث عن اليابسة.



كان نوح في سفينته يقيس المسافة إلى اليابسة بالحمائم (2). فبعد أن توقف المطر أرسل نوح حمامة، وبعدها بأسبوع أطلق حمامة أخرى.
الناس لا يذكرون إلا الحمامة التي وجدت بعض مواضع اليابسة وعادت بغصن زيتون. يذكر الناس جيداً تلك الحمامة التي عادت و صارت رمزاً للسلام. لكن لا أحد يذكر الحمامة الثانية التي أطلقها نوح بعدها بأسبوع و لم تعد حتى الآن. تلك الحمامة التي ربما وجدت شيئاً حقيقياً ولم تعد للسفينة، فأدرك نوح قرب وصوله لليابسة!



الحمامة العائدة بغصن الزيتون خلدها بيكاسو، و أصبحت صورتها مدموغة على شعار الأمم المتحدة، و توالى ظهورها فيما بعد في الصحف و المحافل كسفيرة للسلام. لكن ماذا عن الحمامة التي لم تعد؟

الحمامة الأولى أكثر شهرة. الحمامة الثانية أكثر عمقاً! أو هكذا أرى!



هل كانت الرسالة غير المرئية المربوطة بقدم حمامة الغياب تكمن في إيصال رسالة الغياب للمنتظرين على السفينة، كي يُفهم أن هذا الغياب بحد ذاته هو المعنى الذي سيوصل التائه في الطوفان الى اليابسة؟ وأن هذا الغياب يعني انحسار مياه الطوفان و قرب النجاة؟



أظن أن قيمة رسالة حمامة الغياب أيضاً هي في استقلالها، و حماية المعنى من التكرار، فلو عادت للسفينة هي أيضاً ، وكررت رسالة الحمامة الزيتونية، لأصاب اليأس العالقين في البحر، لأن هذا يعني أن سبعة أيام أخرى قضوها في البحر لم تأخذهم خطوة واحدة إلى اليابسة. و بهذا المعنى أيضاً يكون الغياب تفسيراً لخطية الزمن ، و شاهداً على الأمل.


يكون الغياب موحياً و مكتفياً بنفسه حين يكون مفضياً إلى العلم و المعرفة، إذ حين لم تعد الحمامة (علمَ نوح أن الأرض قد برزت). ثمة هذه الوشيجة بين الغياب والمعرفة. غب لأعرف. غب لأعرف الحياة، أو كما يردد العشاق أحياناً: غب لأعرفك!



حمامة الغياب تطرح قيماً موجبة لا تنتهي للغياب، بوصفه مادة ثرية و غنية تدفع باتجاه الاستقرار والوصول، لبدء الحياة من جديد، على أرض جديدة. هكذا ينظر التائهون في السفينة إلى الغياب الذي اقترفته الحمامة بوصفه علامة على اقتراب الحياة لا الموت، وعلى أنه نبأ مبهج، فيا للمفارقة حين يصنع غياب ما بهجة شاسعة!



لكن كيف تنظر الحمامة التي حلقت بعيداً إلى غيابها؟ هل فقدت الاحساس بالوطن على يد نوح، وأغراها العالم الجديد؟ هل أصبح الوطن لديها في الذهاب إلى الأمام فقط، إلى الجديد، إلى التفرد، و لذة الدهشة غير المكررة؟ هل هربت الحمامة الغائبة من شيء لا نعرفه أو أدركت قرب شيء لا نعرفه فانطلقت وحيدة و منفردة إليه؟


حمامة نوح التي لم تعد هي أول من مارس حرية الذهاب الى الغيب، و استسلم لغواية السفر الحر. 



الحمامة الزيتونية أكثر ملاحة وهي تضع غصناً أخضر في فمها، وتتبرج لرسامي العالم. أما الحمامة التي لم تعد فأكثر غنى و أكثر اكتنازاً بملامح الدهشة و المعاني المدفونة مع اختفائها ككنوز غامضة.



ماذا عن الأمان الذي تحدث عنه بيكاسو؟
لقد شعرت الحمامة الزيتونية بالأمان بكل تأكيد وهي تعود و تنظر إلى عيني نوح، و تشعر بالوطن، فإلى أي العيون نظرت الحمامة الأخرى التي لم تعد كي تشعر بالأمان؟


لقد كانت كل عيون الكون حينها في السفينة فلم ينج أحد على الأرض سوى أولئك الذين صعدوا مع نوح إلى السفينة، فكيف وجدت حمامة الغياب أمناً ووطناً في الذهاب إلى الأمام دونما عينين تطمئنان إليهما؟ 



الحمامة التي عادت وفي فمها غصن زيتون شخصية تاريخية لافتة، لكنها لم تستطع أن تمنحني كل هذه الأسئلة الغامضة، ولم تستطع أن تسرق دمعةً مني كما فعلتْ ببراعة تلك الحمامة التي لم تعد!


---------------------------------------------


(1) Watanabe, S., Sakamoto, J., & Wakita, M.: "Pigeon's discrimination of paintings by Monet and Picasso", Journal of the Experimental Analysis of Behavior 63 (1995), pp. 165–174  



(2)" قال محمد بن إسحاق:فلما مضى بعد ذلك-أي الطوفان- أربعون يوماً فتح نوح كوة الفلك التي صنع فيها، ثم أرسل الغراب لينظر له ما فعل الماء فلم يرجع إليه، فأرسل الحمامة فرجعت إليه فلم يجد لرجليها موضعاً ، ثم مضت سبعة أيام، ثم أرسلها لتنظر له ما فعل الماء فرجعت حين أمست وفي فيها ورق زيتونة، فعلم نوح أن الماء قد قل على وجه الأرض، ثم مكث سبعة أيام ثم أرسلها فلم ترجع إليه، فعلم نوح أن الأرض قد برزت" (تفسير الطبري)


"وعند ظهور قمم الجبال بعد مرور أربعين يوماً من الطوفان، أطلق نوح غراباً وظل يحوم حتى انحسار الطوفان ولم يعد للفلك، وبعد سبعة أيام أطلق نوح الحمامة التي لم تجد موضعاً تحط فيه فعادت، وبعد سبعة أيام أخرى أطلق نوح حمامة أخرى فوجدت بعض المواضع اليابسة وعادت و معها غصن زيتون غض، وبعد سبعة أيام أخرى أطلق نوح حمامة ثالثة ، وهذه لم تعد إلى الفلك، فكان ذلك علامة على انحسار الماء" (سفر التكوين)