الجمعة، 14 نوفمبر 2014

على الغائب ألا يعود





على الغائب ألا يعود
على الغائب أن يتقن دوره:
عليه دوماً ألا يعود. 

على الغائبين كلهم
 أن يحبوا الغياب
 
و لهم أن يَصِفوا على سبيل تصفية الصدر من بلغم الورد:
هلالَ آخر الشهر
والحصانَ الصقيل الذي بلا أحدٍ يعود من الحرب 

لهم أن يَرْثوا أسماك الزينة في إجازة الصيف
والقططَ في إعلانات تبني القطط

لهم أن يكتبوا في الصحف
عن الجرائد التي لا يمسها بشرٌ
وتنتظر دون جدوى في مداخل البنايات

لهم أن يكتبوا عن حسرة القصائد التي لم يستطيعوا تخليصها من نفسها
في أقراص ال Floppy disks

على الغائبين أن يحبوا الغياب
أما ما بعدهُ
 فعليهم أن يدعوه ليهتم بنفسه

فالغائبون لا يعودون (إلا فراشاتٍ أو زجاجات بحر فارغة)

لا يعودون إلا فراشاتٍ في سبتمبر
بعد أن نكون انتقلنا إلى القطب
وصرنا نستخدم نيراناً
لا تفهمها الفراشات

ووقت يعودون فراشاتٍ بأجنحة أربعة
نكون قد أصبحنا بلا أجنحة
ولا نتذكر شيئاً عن بلاد الأسلاف
أو رحيق العائلة

وقت تعود لنا الفراشات
يصبح من غير الممكن 
مقاسمتها القهوة والكتاب
أو مساعدتنا في اطلاق النار على الكمنجات 
والبكاء معاً على وترٍ نافقٍ 
والتلذذ بنهب سيجارٍ سيء الصنع 
 
فالفراشاتُ تتقنُ ترف الضوء
ولا تحسن السيجار

ووقت تعود الفراشات
لا تعود هي الفراشات

فهي تعود لأن الشتاء ثقيل
تعود لأنها لم ترث من أبويها سوى معرفة الطريق للبيت

لا تعود الفراشات لأنها تفقد الحب
بل لأنها تحسن البيت

ويستحيل بسبب ذلك أن تشاركنا أريكةً
أو مقعد طائرة في المحيط
أو سجادةً في العِشاء الأخير



الغائبون يحبهم الله 
ولا يكسرهم أحدٌ
ما داموا يفهمون جيداً أن مهمتهم هي ألا يخسروا الغياب!

الغائبون ليسوا المسيح
ولا يجب أن يتوهم غائبٌ أنه مسيح الذين أحبوه

فالغائب حين يعود للشرفة الأولى 
يكون الله تماماً قد غيّر المنظر 

والناس يملكون صمتاً قوياً  
يمكنه كسر الذين فجأة يعودون 

الناس ليس لديهم وقتٌ فائضٌ للذين يعودون
   
لأجل ذاك
لأجل ذاك الفراغ الحنون
لأجل القوارب الطيبة المربوطة في الربع الخالي من الليل

على الغائب ألا يفسد الأمر

على الغائبِ
ألا يعود 

الاثنين، 22 سبتمبر 2014

الحل







 ليست القرية الحَل
 ولا في المدن الحل
 الحل في التيه

الحل أن تفوت نصف المواعيد
 كي لا يتلوث نصف الهواء النظيف

الحل في الطلقة لا الطلقات

الحل أن يمّحي المقبض
 وتسقط أسنان المفاتيح 

الحل في رقبة الضبع التي تعجز عن الالتفات 

الحل أن لا تُفتح الرسائل ولا المعلبات

الحل أن تكون الوفاة طبيعية،
 كي لا نقلق أقسام الطواريء
 ونأخذ الأطباء من زوجاتهم
 نصف الجميلات
 في منتصف الليل

 الحل في عدم النوم
 حتى لا ننجب المزيد من الأولاد الذين سيبحثون أيضاً عن حل

الحل
في حرق كل براميل النفط حتى آخر مصباحٍ في الشارع،
وفي غرف النوم
 كي يفلس الأمراء
 ومفسرو الأحلام
 وكل المستفيدين من العتمة والنوم


الحل 
أن تُخفى كل أرقام المخارج
واللوحات الإرشادية
 وكاميرات المراقبة
 وأكتاف الطريق

الحل ألا يسمح إلا بالسير إلى الأمام


الحل أن تتركنا الملائكة في حالنا
 والشياطين 



الحل في الورقة البيضاء لا الحبر
الحل في الجناح لا السماء
الحل في المشي لا الحذاء
الحل في الرقصة لا المرآة
الحل في الأمهات يخبزن لا في الخبز تخبزه الأمهات
الحل في تحميص القهوة لا في  القهوة المحمصة
الحل في ابتسامة النادل لا الأقداح
الحل في إشعال السيجارة لا السيجارة
الحل في النسمة لا العطر
الحل في الضرع لا زجاجة الحليب
الحل في الشرفة لا الفتاة على الشرفة
الحل في القبو لا النبيذ
الحل في السجدة لا المعبد
الحل في القوقعة لا البحر
الحل في البئر لا القصر
الحل في الذين لن يدخلوا الباب ولن نعرف أسماءهم على الإطلاق
الحل في الصهيل لا في خط النهاية
الحل في الرعي لا في العشب
 في ليونة الصحراء لا النهد



الحل في أن تكشط الرقم في راحة يدك
وتلد نفسك
في فلاة.   

السبت، 6 سبتمبر 2014

إلى طبيب عيون









تعلمُ أنك لن تستمرَّ في إصلاح العيون. 
تدرك أن العيونَ في السماء لا تحتاج إلى أشخاصٍ بهذا التدريب.
 ثم تستمرُّ بلا شغفٍ تأخذه معكَ هناك.

العيون متقنةٌ والأطباء لا يجدون عملاً هناك.
 تَعرفُ أن لا عينَ طفلةٍ كسلى هناك.
 لا ماءَ أزرقَ، لا سكريّ يطلي شبكيةَ الأمهاتِ ، ولا عصبَ بصرٍ معطوبٍ سيحتاج إليك. 
ثم لا تُفكرُّ بيدكَ هناك؟! 

سيستمر الشاعرُ والبستانيُّ والصائغ والحرفي في صنع أشيائهم هناك في أوقات فراغهم. 
فماذا ستصنع بيدك هناك؟
ماذا ستضيف إلى الفراديس، بيدك الخالية من الهوايات.
 أليس محزناً أنك لم تتقن شيئاً آخر في حياتك غير إسعاد العيون؟ العيون التي لن تكون عالةً على أحدٍ هناك.

أما زلتَ على عماكَ في عيادة العيون،
 تقتلُ نفسكَ دون أن تفكر بها هناك؟
 وتظنُ أن الجنةَ أريكةٌ وسرير؟
 ثم ماذا؟ 
ماذا ستصنعُ بالأوقات الفائضة ؟
 ماذا ستقول ليدكَ التي لم تتعود على البطالة؟
ماذا عن مئات العيون التي أحييتَ، والروايات الطويلة، والفساتين الجهيرة، واللوحات المائية، ومخططات القصور التي ساعدتَ أصحابها على إكمالها؟

 هل في الجنة انتهت مهمتك القصيرة،  وأصبحتَ عاطلاً عن نهر الجمال، عاجزاً عن تصويب عيون الجميلات ؟  

الجنة ليست لأطباء العيون ذوي اللحى المدببة.  ألم يخبروك؟

 لو  بدلاً من كرسي اعتراف العيون، مجلات العيون ، وغرف عمليات اليوم الواحد والنصائح المكررة لمرضاك، وأبوتك المملة لأطباء التدريب،
 لو خنتَ هؤلاء مرةً وابتعت مضرب تنسٍ
 أو كمنجةً
 أو اشتريت كتاباً في البستنة 
أو سافرت سراً إلى القوقاز لتتعلم الاعتناء بالصقور،
 لربما وجدتْ يدكَ شيئاً تَسعدُ به في الفراديس. 

الجمعة، 29 أغسطس 2014

أزرار البطء



زر المعطف الاحتياطي



في معاطف العالم زرٌ،
 لأعوامٍ، ينتظر يداً ناحلة تفقأ عينيه.
 ليرى. 

زرٌ يقطع شوارع نيويورك، يهتز في قطارات أنفاق لندن، ويتشمم يد المضيفة التي تعلقه في خزانة السماء.
 لكنه يقضي حياته بلا طائل، منتظراً فرصة أو مقبض بابٍ أو خيانة ما.

وأنتِ يا حائكة الكلام القليل، تعلمين جيداً أن صانعي المعاطف باتوا لا يحكمون خياطة الأزرار.
 عمداً يقومون بذلك. وعمداً يدسون اعتذاراً سريعاً في الجيوب على هيئة زر احتياطي.

وأنت يا حائكة الحظ، تعلمين أن الأزرار في صدر القميص تقاوم السقوط طويلاً رغم مكيدة الحائك.

تدرين وأنت الحائكة،  أن الزر الإحتياطي، ولسبب غامض،
 قد لا يجد الفرصة أبداً ، كي يترك جيب المعطف الداخلي. 


@@@@@@








الكلمة الحمراء




وأنتِ تُجلسين أذني على زر انتظارٍ في هاتفك المحمول: مرت كروم مسيجةٌ، وحبقٌ مجففٌ سال. 
ثعالبٌ فاتنة تجمدتْ وهي تركض في بطن يدك. 

مرتني المكالمة الوداعية بين قاتلٍ مأجورٍ وابنته التي تدرس الطب.

 بكيتُ على ملايين الرسائل التي تاهت ولم تصل لأحدٍ في اليوم الأخير لخدمة الماسنجر. 

اخترقني صوت مغني الشوارع في فيلمٍ صامتٍ وقصير.

عضّني الثلج الذي يهمي على النوافذ الزجاجية  بدلاً من كؤوس العشاق. 

أخرجت بيدي حصوات المرارة من مومياء فرعونٍ صغير.

شاهدتُ السيل الذي يبتلع عائلةً سعيدةً ويمضي دون أن يشعر بالذنب.

حيّتني الممرضة الكاثوليكية التي تدير سورة البقرة كل ليلةٍ عند رؤوس  مرضاها المجمّدين. 

وقبّلتُ الصبيَ الذي كلّ صباحٍ يسقي وردةً نافقةً على سكة الحديد........





 والكلمة الحمراء..
الكلمة الصغيرة الحمراء..
 لا تزال عجينةً تائهةً تتخلقُ في فمك. 


الجمعة، 22 أغسطس 2014

المشط في الليل




 الغريبُ  كي لا يوقظكِ يتعلمُ حياةً كاملةً في الظلام.
 ولئلّا يفسد أحلامكِ يتعفف عن المصابيح.

 الغريبُ كي لا يبدد منامكِ يتعلمُ المشط في الليل، ويبتكر طرقاً لتسريح شعره بعينين مربوطتين.

الغريبُ في ليل المنضدة يميّز مشط امرأته مثلما يتشمم البحارة النجوم، والأنبياء أبناءهم.

أنا غريبكِ أحملُ مشطكِ من شذاه ، أستضيء بخصلة الذهب العالقة فيه كما يحمل الرعاة سرجهم في الفجر.

بنور مشطك اهتديتُ ، وبتّ أخرج للصبح بكدماتٍ أقل. 



ولأن نومتكِ عزيزة ، يتمرن الغريب في العتمة على انتقاء  جوربين غير مثقوبين من بين أكداس الجوارب السود في الجوارير .

لأن نومتكِ عزيزةٌ يتوضأ أعشاكِ منذ عقدين بماء خفيضٍ ، يصلي سراً على رؤوس أصابعه، وفي حجرتكِ لا يتحدث إلى الله جهرة. 

الغريب، لم يزل منذ عينيك ، يوقّر مفتاح الضوء في حجرة النوم.

الغريب الذي لا زال يستيقظ قبلكِ منذ عقدين، ينهض من تختكِ يختار ملابسه في الظلام ، ويسوّي بخفةٍ ربطة عنقه أمام مراياك التي لا تبصر إلاك. 


الغريب كي لا يبدد منامك أخبر الأشياء كلها عنك.
علّم العطر أن يكتم في الغرفة شذاه، وخشب الأدراج أن لا يصدر صوتاً، والحذاء أن يكون كتوماً، والمشط أن يمر بخفة، وساعة اليد أن تتماوت، بينما أنتِ في النوم. 


الغريب الذي بعينين معصوبتين  أتقنَ تهذيب لحيته ودمعته في الظلمات، وبات يتعرف على العطر  من ملمس الزجاجة،  يلقي كل صباحٍ  نظرةً على فتاة السهول التي لم تفق من أقحوانها ، يتهندم في ظلامٍ كاملٍ، قبل أن يتسلل إلى وظيفته كاللصوص.

الجمعة، 11 يوليو 2014

أنا أخوك








أنا أخوك. نزيل مقعد السيارة الخلفي كل يوم في الطريق إلى المدرسة. ولدتُ في المقعد الخلفي من سيارة العائلة، ومطلقاً لم أغادره. وهذا ليس مهماً فأنتِ الشقيقة الكبرى ومفهوم أن تستأثري بالمقعد الأمامي.  لكنني أتعذبُ كثيراً لكونك كنتِ مسكونة بغضبٍ غامض. وليس مهماً أنني أيضاً كنت كيس تمرين الملاكمة الخاص بك. ليس مهماً أن كل موجة غضبٍ تهبّ عليك في السيارة تتكسر كانت على وجهي، وأن أي تعليقٍ عابر أو باردٍ مني يجعلكِ تلتفين فجأة على المقعد الخلفي لتسددي إليّ  لكمة أو صفعة خاطفة. ما يهم هو أنني ، حتى ويداك تنهالان عليّ، كنتُ أتعذب من أجلك

الآخرون يقولون إنك تحقدين على شقيقك لسبب غامض، حتى وهو يجلس وينام طيلة عمره في المقعد الخلفي. لكنني كنت ولعقودٍ لا أريد سوى أن أخنق غضبكِ الذي يفترسكِ أمامي، دون أن أفكر بالانتقام أو أن أصدق قصة الحقد.  وحتى عندما كبرتُ وصار لدي جسدٌ قوي، وتحولتِ من تسديد اللكمات إلى تسديد الكلمات الخشنة إلي، كانت عيني تربتّ عليك، ولساني ينسحب بهدوء تماماً مثل قطة البيت. فما كان يقلقني ويشغلني هو أن أفهم جذور ذاك الغضب الذي يحتلك منذ عقود.

 واليوم وأنا في العقد الرابع، وأنتِ لا زلتِ نزيلة ذات الغضب، ربما لا تدركين كم أفتقد مقعدي الخلفي في الطريق إلى المدرسة، وأفتقد المسافة القصيرة بين كيس الملاكمة ويديك. فعلى الأقل كنت في المقعد الخلفي أشرب غضبك الذي لم أستطع أبداً سبره. كنتُ في السابعة من العمر أبكي عليك لا بسببك. والآن في الأربعين لم يعد مناسباً أن أستمر ككيس ملاكمة يهتم بنوباتك الغامضة، ولم أستطع أن أبتكر طريقةً مقبولةً كي أقترب من شذاكِ أو أمتص أشواكك كما كنا في سيارة العائلة. وما يؤلمني حقاً هو أنكِ لم تتخلصي طيلة حياتنا من تلك الكهرباء التي سرقت صوتك الحلو وعينيك النهريتين اللتين حصلتِ عليهما من أبي مثلما حصلتِ منه على المقعد الأمامي.

أنتِ تعلمين أنني لستُ ماهراً مثلكِ في كتابة القصص والقصائد، ولا في التعبير عن المحبة مثلك. وأنتِ أيضاً تظنين مثل أمي أنني مكعب ثلج صامتٍ لا يحبذ ترك القالب، وأن قلبي يتحرك فقط حين ألمس كرة القدم، حتى إنني لا أتذكر كم مرةً مارستُ رسم القلوب بأقلام التلوين. لكن كيف فاتكِ أنني أبكي بصمتٍ عليك منذ أربعين عاماً، كما تبكي بهدوء ناعم قطنةٌ مبتلة. ودعيني أسأل: هل سُمح لأخٍ من قبل أن يرسم قلباً أحمر لشقيقته أو أن يدسّ تحت باب غرفتها رسالة حب بخطٍ سيء. هل ترك أحد الروائيين الذين تعرفينهم أكثر مني رسائل حب إلى شقيقته. أنا لا أعرف حقاً ولا أستطيع توصيف هذا النوع من الحب بشكل واضحٍ لأنني أقل قراءة وموهبةً منك، ولأنني ولدٌ عليه أن يركض  فقط. لكنني أظن أن حبكِ يعني ببساطة  ألا أراكِ غاضبة، وألا أسمح لأحدٍ أن يغضبك، حتى لو استدعى الأمر أن أهشّم رأسه ، أو أن أصبح حين تثورين بلا سبب كيس تمرين الملاكمة الخاص بك.

 والآن، أعلم أنه مثلما لم يسمح لي في السابعة أن أدسّ قلباً أحمر تحت باب غرفتك ، أعترف أنني لن أستطيع دس هذه الرسالة اليوم في موبايلك. لكن الولد سيء الخط الذي تسمونه مكعب الثلج أراد أن يقول لحبيبته: أنا أخوك. 

الاثنين، 7 يوليو 2014

مثل قوقعة تصغي إلى نفسها







مثل قوقعة تصغي إلى نفسها، قرطاكِ يشربان النداءات الأخيرة للرجال الذين أغلقتِ على أصابعهم الماء والليل.

تحدث أشياءٌ مذ عدتِ من البحر: تختنقين بالورد والريحان. وتبدأين باقتناء القطط بعدما تجاوزتِ الثلاثين.  

تحدثُ أشياءٌ بعد أن عدتِ  من البحر: تفقدين غمازةً واحدةً، ولا إلى أحدٍ تشتاقين. وكأنما الأشواق دفنتِها في نقرة الخد. 

تحدثُ أشياءٌ مذ عدتِ من البحر: تمطرُ أكثرَ من المعتاد في الصيف. تفضّلين الفضة على الذهب، وتفقدين القدرة على الحزن. 

ومثلَ قوقعةٍ تصغي إلى نفسها: تحفظين كلَّ قصص البحر، لكنكِ لا تفهمين أبداً جزعَ الذين ينتظرون على البحر. تعرفين قبلي كل أغنيات البحر، لكنكِ تجهلينَ أثرَ الملح في الحنجرة. 

تحدثُ أشياءٌ مذ عدتِ من البحر: تزدادين جمالاً، ولا تمرضين، لكنكِ تفقدين القدرة على الحب. أما عيناكِ الطيبتانِ فباتتا لعنةَ من يراك، ومذبحاً صغيراً للذين انتظروا طويلاً على البحر. 

تحدثُ أشياءٌ مذ عدتِ من البحر: صوتكِ يضيءُ في الجريدة، في التلفاز، ووسائل التواصل، لكنني لا أراه. وكأنّ صوتكِ الذي أجيدُ  قدْ دفَنَهُ نواخذة في عَرضِ البحر. 

ومثلَ قوقعةٍ تصغي إلى نفسها: تؤتَين الحكمة، وتسافرين كل ليلة، ولا يؤثرُ موت القريبين فيك.

فجأة أصبح لكِ شعرٌ قصيرٌ وجناحانِ من فضةٍ وصمت. وكأنكِ اصطدتي في رحلتكِ البحرية أعشاب اللامبالاة والكلام المهذب الذي يطيل ساقيكِ وسالفيك، تاركةً إيّايَ أتحدثُ بإعجابٍ وأسى عن بسالتكِ في التَرك. ويا إلهي.. كيف لم أنتبه أنكِ صرتِ قدّيسةً بعدما عدتِ من البحر، وأنّ عينكِ التي لا ترفّ قد حوّلتني إلى سائحٍ يبحث عنكِ في (التحولات) ، ويجمع من أزقة أثينا تماثيلكِ الرائعة. 

الخميس، 26 يونيو 2014

إن كنت َ وحيداً في سانتوريني




إنْ كنتَ وحيداً في سانتوريني فامشِ في البحر. أو كنتَ غريباً في سانتوريني. غنِّ للبحر. فالبحر من كثرة العشاق وحيدٌ في سانتوريني. ووحيدٌ أنتَ من قلة الموت.
البحر من كثرة الجميلات في سانتوريني .. أرَقٌ أزرقٌ ووشومٌ تسيل. والبحر لطول ما أعطى كتفيهِ يتيم.  لا المراكبُ تسندُ البحر، ولا الحزنُ في لهجة البحر يشيخ. 
البحر محبرة الخسائر. ونحن نسينا كيف نكتب بالبحر بعد أن نقلنا البحر إلى مجلد الصور في الهاتف. لم نعد منذ نوحٍ نفهم البحر، تكررت أخطاؤنا في الحب، وانتظرنا عبثاً غصن زيتونٍ، ولم تأت الحمامة. لا يهم. لعلّ الحمائم جاءت ونحن في النوم. حملتْ لنا هواتفنا الذكية لا الغصنَ. ولم نعرف بعدها كيف نكتب بالبحر، ولا مثلاً كيف نأخذه للتمشية قبل المغيب. ووحيداً أصبح البحر. 


إنْ كنتَ في حانةٍ  أو مقهى في سانتوريني.. فلا تبكِ بظهرٍ مكشوف. لا تعط ظهركَ لامرأةٍ أو لشمسٍ أو أغنية. فالعيون الزرقُ المعلقةُ في الحوانيت، والعيون الزرق الطافحةُ في الحانات لا تحفظان الوحيدَ من السوء. 

إنْ كنتَ مثل تلك الألوف جئتَ ترصدُ الشمسَ في سانتوريني. إنْ جئتَ من أقصى الأرض، وتسلقتَ وصعدتَ، لتنال في العشيّات نسختكَ اليوميةَ من صورة شمسٍ تموت ، فابكِ وحيداً، وليكن ظهرك َ للحائط. ابكِ ولا تدع يداً غريبة تحطّ على كتفيك. فيك ما فيك. والغرباء كشمس سانتوريني ، ظلٌ فاتنٌ من هدأة البراكين يفيض ثم يغيب. الغرباء نبيذٌ عابرٌ وشموسٌ معتقةٌ في خوابي السماء. والسماء حاكمةٌ. والنبيذ طريقةٌ وليس طريقاً. والغريب وردةٌ على كتف الطريق، لكنه ليس الطريق. 

إن كنتَ وحيداً  في سانتوريني فتقبّل نظرةَ النادلِ حين تطلب طاولةً لشخص واحدٍ، ولا تتضايق من نظرة سائق الحافلة حين تقطع تذكرةً واحدةً ، ولا من دهشة القبطان حين تكون الوحيدَ الذي يخرق مبدأ الزوجين الاثنين. لكنكَ حتماً محظوظٌ، لأنك تنجو من قُبَلِ  العشاق وقت الغروب. فالقُبلةُ أمام شمسٍ تموتُ فقدٌ قريب. وأنتَ فيك ما فيك. والبحر في سانتوريني أصبح الآن فيك. 

السبت، 5 أبريل 2014

هيموفيليا



(هيموفيليا)



سكين مطبخ في يد طفلٍ مصاب بالهيموفيليا

سمكة زينة في عيادة أسنان

أكعب عاليةٌ على الشط

جديلة طفلة يابانية في الحرب العالمية الثانية

أسنان ذهبٍ وكمنجة مدفونة في قبر غجريّ

: ضحكتكِ الأخيرة قبل الوداع

@@@@@

رغبة يدكَ الملحة في تعديل اللوحات المائلة في بيوت الأصدقاء.  في تزرير الزر المفتوح سهواً في ثوب العريس. في تفويت الركعة من أجل تعديل حذاء مقلوب. في مسح لطخةٍ عالقة في نظارة الشقيق. في إطفاء النور المنسي في سيارة الغريب. في استضافة طرد كبير للجار الذي لا يرد على الطَرْق. في تنبيه امرأة تَعلَقُ عباءتها بباب سيارة مسرعة. في حماية طفلةٍ على وشك الاصطدام بعربة تسوق. في تعديل نقاب مائل لامرأةٍ في المول. في إحكام ربطة عنق رجل الأمن. في تنظيف الملاعق والسكاكين كما ينبغي في المطعم الشهير. في إصلاح الأخطاء الإملائية في لوحات المحلات. في صيانة أضواء النيون الخَربة في مصاعد البناية. 



الرغبات الملحّة  ليدك التي لم تهذّب أظفارها منذ أسابيع.


@@@@@@

لأن الله لا يعيد الكتب التي استعارها منك..
لأنكَ  لم تُصبح  كتاباً في يد أحدٍ ما..
لأن المسدسات غير المستعملة اختفت من السوق..
لأن الكيميائيين أضاعوا المعادلة..
والناس تمّ تسكينهم في هواتف ذكية


تستمرُ في تنظيف البيت الذي يخلو عادةً منك.


@@@@@@

الوردةُ كلما قبّلها كلما أورق في جسده اليأس
. كلما استمع إليها ماتت عضلة في ساقه.
كلما مرّر يده على شعرها 
رأى خونةً ومراهنين يتسللون
 ويحقنون جياداً في الليل.
الوردة ليست للشعراء. 
الوردة للقناصة وراكبي الدراجات النارية.

@@@@@

في عنقهِ تفاحة آدم. 
لكن الفتيات يفضلن رمي النبال على جدران الحانة 
والموت مشغولٌ بمواعدة السعداء.


@@@@@

من المرعب أن أحداً لم يتحدث عن صوتها
مرت قرونٌ وكأن الغزالة زاهدةٌ في الكلام.
أو أن حنجرتها ضمرت من شدة الذعر والجمال
 منها اكتفينا بالنظر
 واكتفت بصلاة الخوف.


@@@@@

كأنكِ ال g في ال champagne 
لا أحد يستطيع نطقك. لا أحد يسكر إلا بك. 

@@@@@

أمَّنا التي تنام كل ليلةٍ في منتصف القصة.
يا العنبة المسيجة بالصقيع. 
لا زلنا نضع الثلج على خاتمكِ الطريح
ونسخن قهوتك منذ شهور.


@@@@@

أُهديكِ المزيد من أقلام الكحل، فيما بصري يختفي بالتدريج

@@@@@

الحجر سودناه بالخطايا. والغراب بالحُب.

@@@@@

قلبكِ سكينٌ سويسرية. قلبي زجاجة نبيذٍ عابرة

@@@@@

لم أعد بحاجةٍ لمنظم ضربات القلب. فقط أحتاج حذائكِ الرياضي

@@@@@

فمكِ الآن جندولٌ أزرق في فلاة.

@@@@@

والحياة إثركِ مباراة تنس طويلة بحذاء ضيق