نسوةٌ في مقهى الليل يقترحنَ أصواتاً لإخفاء مرور القطارات.
حين أشعل النادل فيروز اعترضن. قلن: لا نستطيع فيروز في الليل!
كان محزناً أن نساءً في المدينة أقلعن عن فيروز. وأن الذين يفرّون من صوت فيروز في الليل في ازدياد. تماماً مثل معدلات الطلاق، ونسبة الطبيبات المدخنات، وظاهرة مدربات الحياة.
كان محزناً أن فيروز باتت تشرب قهوتها وحيدةً في مقهى الليل.
أنا الذي دخلتُ معها السجنَ أعرف أن صوتَ فيروز خبزٌ وخمر وأحياناً فاكهةٌ يوسفيةٌ وسكاكين.
خَلَقتْ لنا فيروز أوزونَ الصباحات.
كانت ترسلنا كأطفالها للمدرسة والوظيفة والحقل، ثم تغلق باب بيوتنا وتنام.
كانت تدس لنا حبق صوتها في الساندوتشات كي تستقيم ظهورنا في الطوابير والطرق المسدودة كل صباح.
لكن حين يجيء المساء نخاف من فيروز.
نخاف من صورة الأم التي فشلت في الحب وعاشت تحذرنا من الحب ومن ترك الصلاة.
نخاف في الليل من فيروز. من عتب الإله الذي نأكل خبزه ونعصيه.
ومثلما كان لوركا يخاف أن يموت على مرأى من القمر الذي أحب. صرنا نخاف فيروز في الليل.
فيروز في الصبح خبز الطيور، لكنها في الليل عظام الأحلام.
ونحن نعلم أن فيروز في الليل رماد أرواحنا التي أوصينا بحرقها لنتفرغ للفراغ والكذب وما بعد الحياة. وأن أحداً مهما بلغ من القسوة لا يستيقظ من الموت ليصغي إلى مواويل رماده. نعلم أن فيروز في الليل قديسة اعترافاتٍ وأننا نتحاشى تخاريم نافذتها العذراء وزجاجها المعشّق بملايين الانكسارات، كي لا تبتل حنطة أصواتنا في مقهى الليل.
نعم. صادفتُ نساءً تركنَ فيروز في الليل.
وكم وددت أن أفعلَ شيئاً من أجلنا وأجلهنّ. وكم وددتُ أن أشرح لفيروز أن الأمر ليس شخصياً. لكنه يتعلق بهندسة الله لوردةٍ تصير قنفذاً أحمر في الليل. وأننا والبنات اللواتي فقدن أزواجهن ننكسر، كسيجارةٍ، حين يشعل أحدهم فيروز في الليل.
وكم وددت أن أفعلَ شيئاً من أجلنا وأجلهنّ. وكم وددتُ أن أشرح لفيروز أن الأمر ليس شخصياً. لكنه يتعلق بهندسة الله لوردةٍ تصير قنفذاً أحمر في الليل. وأننا والبنات اللواتي فقدن أزواجهن ننكسر، كسيجارةٍ، حين يشعل أحدهم فيروز في الليل.
فيروز بالنسبة لي:
ردحذفالموسيقى الخلفية لطفولة خالية من كل شيء إلا الأحلام،
لتلك الفتاة التي كانت تجلسني بجانبها،
تمشّط شعري،
وتسترسل في غزل قصة لم تحدث وكم تمنيت لو حدثت فعلا،
لمطاعم بيروت ورائحة الأكل الشهي،
والخبز الحار والزعتر واللبنة والخيار،
لقلبٍ ينبض للحب،
وليس لشخص في حد ذاته،
لصوتٍ يهدهد الأطفال قُبيل نومهم ب"يا الله تنام يا الله تنام"،
لصديقتين تنظران إلى البدر المكتمل وتشدوان بصوتٍ يخلو من الجمال ولكن لا يخلو من البراءة ب:"حبيبي بدو القمر والقمر بعيد"
فيروز هي الذكريات التي لا غنى لنا عنها.
ليلا ونهار.