السبت، 16 مايو 2015

أكثر من محاولة لتحميض البيت





الحمامة


هناك حمامة وهناك حَمام.

هكذا تبدو اللقطة من شرفة هنري ماتيس. هكذا تبدو الريشة في مرسمه الذي تتنزه فيه الحَمَامات.

أنت مخطيءٌ إذا كنتَ تظن أن حمامةً حقيقيةً تطمئن لأيدي المصورين.

 أعط الحمامة يدك لا الإطارات. أعطها بَرْدك أو أعطها قلقك،  بيتكَ أو لا بيتك لا يهم.

أعطها شيئاً يمكن لمسه لكن لا تعطها هي للعابرين. 


الحمامة (الحمامة) تفهم أن زر اللقطة مثل الزناد. أن اللقطة شعلةٌ أولمبٍ تجعلها متداولة ومتاحة لهواة التصوير والقناصة والأصدقاء وكل العالقين بالشبكات الاجتماعية.


الحمامة تكسدُ حين يتم تداولها. الحمامة (الحمامة) لا تَعْلقُ، ولا تصلُ، ولا تستسلم لفكرة التقاط الصور مثل حمائم الساحات. فكما قلتُ: هناك حمامةٌ وهناك حمام.

 - الحمائم الجماعية فكرة خاطئة عن الأمن.

 - معالجة الخوف وظيفة الله وليست وظيفة الطير. 

- ثم إنه لم يعد منذ نوحٍ عشبٌ ولا صلاةٌ في أعين الحمائم كي تمنحه للسائحين.

تخلت الحمائم عن فكرة (الحمامة) في اللحظة التي قبلتْ فيها مبدأ الصورة مقابل البذور. الحمائم ك( سربٍ ) فكرةٌ نافقةٌ عن الحرية، تماماً مثل القهوة سريعة التحضير.

ثم ما الذي يجعل الناس موقنين أن حمائم الساحات ليست أسلوباً من البلديات لترويج السياحة. ما الذي يجعلنا لا نشك أن الحمام الأليف طائراتٌ بلا طيارٍ أو خدعةٌ دينيةٌ جديدةٌ من الحكومات.  

الحمامة (الحمامة) تسقي نفسها بعينها، وتزرع قمحها بالوحدة والنضوب.   


وعلى سبيل الفزع أو على سبيل الإطمئنان، أراقب كل صباحٍ حمامةً تطير وحيدة وترفض التصوير. حمامةً لا تحطّ على الإفريز، إلا حين تطمئن لمغادرتي للبيت، وكلما صوّرتها لا تظهر في الصور.

وحين لا أرى الحمامة أقول: الحمامة رسالة ناجين من شيء فظيع .. الرسالة التي حتى حين تُلتقطُ لا يمكن تظهيرها في الصور.

أما هنري ماتيس الذي تم تصويره قابضاً على حمامةٍ بيده ليرسمها،  فلم يمكن تأكيد نجاته حتى الآن.


@@@@@@@@@@

الاعتناء بحصان سباقٍ أعمى


يقول الطبيب والأصدقاء خلّصه بالقتل.
يقول المراهنون لا تراهن عليه.
يقول سائس الخيل: يؤذيه أقرانه إذا اكتشفوا عماه.
يقول الحوذيّ : يمكن إبقاؤه ليجرّ عربة سوّاح.
يقول موقع الاعتناء بالخيول العمياء: لا تهذّب هُدبَ حصانٍ أعمى، ولا شَعرَ شفاهه، فبهما يبصر العشب في الظلمات.


لكن كل ما يحتاجه حصانٌ أعمى ليسبق الدمع والخيل
كل ما يحتاجه حصانٌ أعمى للفوز
هو أن تتحدث معه كصديقٍ قديم. 


@@@@@@@@@@


عين الغراب



كل صباح
حين تكون الطفلة في حضانتها
ترسم أحراشاً
خاليةً من الطيور 
وتهديها للآنسة التي تختال في الأربعين: 
يحط غرابٌ على نافذة المنزل
يتأمل قصص الطفلة على الرف
 ودُماها الفاتنة على السرير  


الغراب ذاته كل صباح
حين يخلو البيت: 
يقف بأناقة لصٍ على الإفريز
يمسح بعيني صائغٍ حنون
كل  أذىً في عيون الدُمى
يلمّ الجوى من عيون الزجاج 
يدقّ على الزجاج قبلةً
 ويطير



@@@@@@@@@@


جيتارٌ مُدَخّنْ 



الجيتار والعازف ذهبا إلى الحرب
سوّياً  نزلا في شاطيء النورماندي 
وعزفا للجنود المبللين في الحرب

 سوياً  عبرا الخطوط الأمامية  لليل
وطويلاً عزفا  لتضليل رائحة الموت

كانا يغنيان للجنود الذين يحلمون بفتياتهم في الليل
ويرمّلون مدناً كاملةً في الفجر. 

ثم مات الجندي في القصف
 وأرسلوا جثته والجيتار للأهل 

وبدلاً من دفنهما معاً
وضعوا الجندي في مقبرة العائلة
والجيتار علقوه كالذبيحة في غرفة الجندي!

وهكذا
ظلّ الجيتار ثمرة جوزٍ
  محشوةً بقلب العازف الهش
وظلّ يفوح من أوتاره الخوف
ومن خشبه البارود
وسجائر الأصدقاء


@@@@@@@@@@



عصفورٌ وملقط غسيل




بعد أسابيع من مجاورته لعصفورٍ
على سلك الغسيل
لم ينبت لملقط الملابس ريشٌ 
ولم يصبح له صوتٌ جميل

العصفور قصّ عليه كل الحكايات
وأخبره عن البلاد

العصفور غنى له الأغنيات
وأخبره عن الكنز

لم ينبت لملقط الملابس ريشٌ 
ولم يصبح له صوتٌ جميل

لكنه صار دافئاً وخفيفاً
والملابس التي تربط به
لها رائحة الشمال!  



                                                              @@@@@@@@@@ 


طيور




 كلما مشيتُ في حديقةٍ
تنتابني العصافير
كما لو أنني
 خبزٌ متجولٌ من بقايا البيوت
أو فزاعةً تمشي
 وأثرتُ الفضول


كما لو أنني
طيرٌ فقد ذاكرته في عاصفة
وصار شخصاً مشرّداً
في حديقة عامة

والطيور كلما استيقظَ

تحاول انتشاله

أو تعليمه الطيران





هناك تعليق واحد:

  1. كلما مشيتُ في حديقةٍ
    تنتابني العصافير
    كما لو أنني
    خبزٌ متجولٌ من بقايا البيوت
    أو فزاعةً تمشي
    وأثرتُ الفضول
    ...

    ردحذف