الاثنين، 18 يناير 2016

(ما يرام)






ينسى الناس بعضهم بسرعةٍ 
في بحر الشمال.

ينساك وحش البحيرة
 ونادل المقهى 
ولا تتعرف عليك موظفة الاستقبال ولا الساحرات في قلعة ماكبث.

في (إنڤيرنيس)*
لا تجري السفن في البحر
ولا يذكر الناس بعضهم أكثر من ساعات 
لكن تجري الحياة
 وتُذبح العجول 
 وتعمل إشارات المرور.

يشرب الناس قهوتهم بخشوعٍ مبالغٍ فيه
وكأنه اليوم الأخير لأشجار البن،
ويذبحون المزيد من الحطب
 لتدفئة أطنان الكتب اللاتينية في المكتبة.

في إنڤيرنيس
تصل في وقتها القطارات 
لكن لا أحد يعرف الواصلين.
تُنسى الحيتان على الشط
ولا تتخذُ سبيلها في البحر. 
تتكدسُ بطاقات التهنئة
يتدرب الناس على اختفاء الشمس
 إلى الأبد
ولا يعرفون الأسماء الكثيرة للورد. 

في الصباح
كانت واضحةً بشاعتي 
وأنا الوحيد الذي يتذكر ما جرى بالأمس
في مدينةٍ تنسى
على بحر الشمال



********


لا أحدَ يَحْدُثُ في (إنڤيرنيس)

لم يحدث سواي

وحين توقفتُ للغداء سمّمتني أسماك نهر Ness.

ألجأتني الآلام آخر الليل إلى أريكة من خشب النرويج .
 كان السهر ورماً
وكانت النافذة تندمل
 وأعالي كاليدونيا تصير غرفة عليّة
في فندق من فئة نجمتين.

في الأعالي تألمت.

 آلمتني مثانة أبي التي جرّحتْ سبعين عاماً من الوسامة والنخل. وفكرتُ بحساسية القمح التي تهتك أمعاء صديقي، وفلفل الهالابينو الشهي الذي يرسل مصران حبيبتي للجحيم، وركبة أخي الكولونيل التي يخذلها الصليبيّ فتجعل منه حصاناً ميتاً في سرير أنثاه.

وانتبهتُ أني حين كنت أسأل عن الصحة كانوا يجيبون : على ( ما يرام).  
 والدي مات.
 والصديق لم تزل تؤلمه رائحة الخبز.
 حبيبتي تناوم هاتفها،
 وتلاطف القولون الذي يقرض ضحكتها كجرذ،
أما الكولونيل فاستقل بحجرة نومٍ ملاصقةٍ لغرفة أنثاه.

ولا زلت حين أسأل أسمع توقيعة ال ( ما يرام). 


في الأعالي تألمت.

أبيضَ كان الحمّام وأكبرَ كان من غرفة النوم. 
كان خلاءً صقيلاً يتسع لسرير ملكي ومعبد زنٍ  وطاولة اعتراف.
كان الخلاء مطلاً على جبل ثلجٍ ومصمماً للآلام. 

نظّف الليل معدتي. صقل نظرتي الهواء الحزين القادم من مقاهي النرويج، واستمر يفزع نومي دويّ القطارات. 

ورغم ذلك لم يحدث شيءٌ عدايَ في إنڤيرنيس. 

لم تتذكرني الموظفة السمينة في الفندق، رشّ العمال الملحَ على الطرقات، نسي الناس الأشياء التي لم تحدث أصلاً ، والمدينة كما بالأمس،

 على ما يرام. 









----------------------------------
* مدينة صغيرة شمال أسكتلندا

الجمعة، 8 يناير 2016

حانوت الشيء







كنا كل صباح نقصد حانوت الشيء.
الحانوت الذي يبيع شيئاً واحداً وحسب. 
وفي الحانوت نقضي اليوم كله في تقليب الشيء الوحيد الذي يملأ الحانوت
ويجتذب المصابين بالحياة. 

شيء وحيد يملأ أرفف المحل. شيء وحيد كان علينا أن نقرر بشأنه.

 شيء نمسكه باليد كل نهار، لكننا كلما أمسكنا به كلما فقدنا جزءاً من أبصارنا، واضطررنا للعودة له في الغد. 

شيئاً فشيئاً يصبح حانوت الشيء مزدحماً بنا، بنظراتنا المفقودة المترامية، ورغبتنا الأكيدة في الاقتناء. 

لا أحد سوانا في الحانوت، لكنه مزدحم. 
سلعةٌ واحدة في حانوت الشيء، لكنها تماطل العين.

أحدهم رسم  دورة الحياة: التردد على حانوتٍ يبيع شيئاً واحداً وحسب، والفشل في الشراء.


تصبح الأيام سلسلة ذهبية مستنسخة من اليوم الذي نزلنا فيه من البيت للتبضع من حانوت الشيء.
 ثم مرةً وفي طريق الذهاب للحانوت يحدث أن نرتدي ذقناً ونتزوج، ثم يفتن أبناؤنا بالشيء، يظنون الحياة جولةً في حانوت الشيء الواحد، ويعيدون الحكاية.
ووقت نكون استرجعنا النظرات القديمة ، وأردنا إسداء النصح لأنفسنا، نكون فقدنا الكلام.