الخميس، 9 ديسمبر 2021

الشخص



وصلتُ في الليل. كان الوقت غيوماً والبيوت قططاً حزينة. الريح دراجةً ناريةً تلعن الأفق. والقرميد الأحمر المتآكل تاج المدينة الغاضبة.  وصلتُ إلى المنازل المبتلة منذ قرنين، بمداخن تالفة، وأبواب من رماد. وكانت تمطر حين غرزتُ مفتاحاً في بيت ظننته البيت، فانفتح باب، ودخلت. كان الناس في إغماءة الكحول، والأطفال في أسرّة الصقيع. نبح كلبٌ، أكل أطفالٌ حبوب إفطار، ووجدتُ نفسي في سرير شخص غادر للحرب. فقدتُ صوتي حين ضرب البرق، ودخلتُ فجأة حياة شخص آخر. وما كابرتُ أبداً لأن البيوت هنا لا ينقصها الأسى، والشارع ضيقٌ مثل وريد. لأن الناس يشبهون الناس، والمنازل في البلاد الباردة تبدو مثل بعض. لأن المفاتيح كذبة في البلاد التي تمطر كل يوم، والسقف يبدو كلمة مهجورة أفسد المطر معناها القديم. ما كابرت. وانكسرت لأن المطر الذي لا ينقطع يكفي لينكسر الشخص يوماً ما.

الخريف أخذ برأسي، ثم ألفيتني في سرير بارد لا رأس له. كأنني من كثرة الطائرات التي نمتها كنتُ جاهزاً للاختفاء. هكذا نمتُ مع المرأة التي لا أعرف وتضع على قلبها قطةً سوداء. هكذا واصلتُ حياة شخص لا أعرفه. وما كابرتُ. أنجبتُ للجندي أولاده. أخذتهم للمدرسة. هذبتُ حديقته. أكلتُ أسماكه. أخرجتُ قمامته. حلقتُ ذقني بموساه. خرج دمه الأبيض من جرحٍ في ذقني. سمعتُ موسيقاه. أشعلتُ شموعه. شتمتُ امرأته، تقبلتُ شتائمها. ثم جلسنا عشرة أعوام على طاولة العشاء نتحدث عن غضب العابرين. عشرة أعوام أنظر إلى عينها التي تشبه حديقةً مهملة في كنيسة. مربوطاً بشعرها الأحمر عشتُ. وواصلتُ ما كابرتُ. مات أبي في الصحراء ولم أتمكن من الحزن. ماتت أمي ولم أتمكن. قامت حربان، جاء ملك ثم ملك، تغير لون الوقود، ولون جواز السفر، ولون العيون.


لم يقتنع أحدٌ أنني لم أكن جندياً ولم أذهب يوماً إلى الحرب.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق