الخميس، 27 أغسطس 2015

البقاء أطول وقتٍ مع المظلات






الأحلام


تدركنا في وقتٍ بائتٍ
تلك الأحلام الحلوة 

تلك التي تأتي خائفةً متوردة

مرتبكةً وجاهزةً للانفجار

تماماً مثل مثانة طفل

الأحلام الدبقةُ التي دائماً في غير وقتها تجيء
وتثير حنق الأب والأم 
في رحلات القطارات والطائرات


الأحلام التي في جيبها عملةٌ فائرةٌ
بصورة ملكةٍ على الوجهين


الأحلام التي لا تستطيع ضبط عضلاتها العاصرة
وفي لحظةٍ يضيق بها المكان


الأحلام التي لا تستطيع التنبؤ مبكراً 
بحاجتها للخروج
ولا تعرف الأمكنة المناسبة
ولا طرق الإفصاح التي لا تغضب البالغين 


الأحلام التي خُلقتْ
على هيئة مثانة طفل

@@@@@@@




يستيقظون



يستيقظون
 لأن الصوفا ملّتْ من دورها كصديقةٍ
وجاء دورها كي تقصّ الحكايات.

يستيقظون
لأن الستائر مبطنةٌ بدموع خياطاتٍ آسيويات
وتصدرُ عنها شهقاتٌ مفاجئةٌ كل صباح  

لأن الشمس لم تعد في الأفق
بل في عيون الأموات الذين يتسللون بلهفةٍ
مع عربات الحليب
 في الفجر

يستيقظون
 لأنهم بلا آباء صاروا 
ولا أمهات
 ولا طرقاتٍ ولا أحلام 

لأن الحزن يحتاجهم 
ويعثر على  أكتافهم 
في  كل مكانٍ


@@@@@@@


الورد بيد الأهل


يا لغربة الورد في نجد.
ويا لقرب الحجارة والناس.

لسنا وحدنا من يشعر بالخوف حين ندخل خلسةً دكان زهور. فحين نمسكُ التوليب في نجدٍ  يشعر هو أيضاً بالخوف. وحين نشمّ الليليز ينكفئ على نفسه للحظات ثم يتقاطر بسرعةٍ ويموت. 

حين يغلقون المتاجر في الليل. يعرف الورد أنه لن يزور بيتاً مشمساً، ولا قميص فتاةٍ حالمةٍ في نجد.
فعلى الأغلب لن يأخذونه في الصباح إلا إلى المستشفيات. 

صحيحٌ أن الأنفاس بيد الله. 
لكن الورد في نجد
 بيد الأهل. 

@@@@@@@




كلما



كلما رأى حبيبتهُ في المنام
طال السرير

تماماً مثلما مع كل كذبةٍ

كان أنف بينوكيو 
يستطيل



@@@@@@@



البقاء في المقهى أطول وقت  




قال إن المقهى يحتاجه
وقرر الجلوس معه 
لا الجلوس فيه

قرر البقاء في المقهى أطول وقت ممكن

قرر البقاء وحيداً
 في وحشةٍ من طابقين
وقال لنفسه: آخذُ بيد الجُبّ  والثمار العمياء. 

فكر في الأشياء التي لم يبلغها 
فكر في فساد الذُرى ولذة التخلي عن الأمهات
فكر أن الملائكة لا تشرب القهوة
 لأن القهوة تجعلها تريد.

فكّر في البقاء

البقاء في عينيّ صقرٍ كسيرٍ في سهوب المجاز
البقاء كالملاريا
 في ساقيّ فرس مربوطةٍ في سفينةٍ شحنٍ في المحيط
البقاء في وتر كمنجةٍ قوطيةٍ 
في المتحف البريطاني 
البقاء في طلاء الأظافر الغجري
البقاء في دموع الخيول
البقاء في توبيخ الأمهات الميتات
البقاء في رغوة القمح
 وحزن المهرجين والمومسات

فكّر 
أن البقاء للآه. 
والكمان لله. 


@@@@@@@



الخطر  صلاتي ومحياي


الخطر  صلاتي ومحيايَ 
أيتها العمة التي تجيد الدعاء بسبع لغات

في أذني نمر نيبالي يأمرني بالخطرِ 
وحراسة الصبايا النائمات منذ الأزل 

لقد تأخر الموت يا عمة
وبات الخطر صلاتي ومحياي


@@@@@@@


كلما أشعلتُ سيجارةً داهمتني المظلات



في مانشستر (فطر الله الأسود)...
المطر يكسر الحب والمظلات

هناك
كلما أشعلت سيجارةً أمطرتْ
وداهمتني المظلات

فكرّت في هجرة المطر الوحشي إلى المظلات
في العلاقة بين فلاشات الهواتف المحمولة ونمو الفطر في حشيش أولد ترافورد 

فكرت في الفشل الدائم الذي يعتري المظلات

  
المظلات المفتوحة حيلةٌ لعدم الحديث مع الناس  

المظلات المطوية  فراديسٌ تتوجد على أيدي الناس

المظلات نصف المفتوحة  تشبه السهر العتيق في عيون زوجات الجنود 


المظلة فطرٌ خائفٌ ومقلوب 
المظلة أخت الجنون

‏المظلة أرملة الغيم
إذ حين تتوقف غيمة عن الكلام
 ينقبض صدر المظلات.

أما الريح فليست رسولاً بريئاً
‏الريح خطأ ملاك مجهول. ولا أحد يحاسب الملائكة.  وهذا لا يساعد أحداً في مانشستر. فحين تنكسر مظلة بسبب الريح، ينكسر ضلعٌ لا تستطيع كل الملائكة ترميم حديثه المبتور مع الأمطار. 


@@@@@@@


مساجين



حين امتلأت سجون المدينة
حبسونا في سفنٍ قديمة تالفة
وطائراتٍ أعفيتْ من الخدمة
فأصبحنا جاهزين للسفر
في أية لحظة
إلى لا أحد


@@@@@@@


الغناء



الجارة تغني
كي تجعل الأمر سهلاً على الأطباق

الأم تغني
كي تتبادل نجوم التعب مع السماء

الصديقات يغنين 
كي يخفين اندلاع التجاعيد

القتلة  يغنون
لينتقموا من الأديان

النادل يغني
كي تتحمل الأقداح مرارة الخلق

القطارات تغني 
كي لا تمل الأرض المسافرين

عاملة الكواء تغني 
كي تصبح القمصان سهلةً
ويقع الناس في الفخ

أما الطيور التي تجيء في الفجر
وقبل أن يستيقظ أحد
فتغني 
لتمحو كل تلك الأخطاء


@@@@@@@



قصيدة الكلب



ليتني كلب سيدة عجوز

ليتني كلب سيدةٍ
تقول لي كل صباحٍ: صباح الخير. 
تقولها لعقود. 

ليتني كلب سيدةٍ عجوز
تثق بي 
كما تثق ببطاقتها التقاعدية. 

تأخذني للتمشية كل صباح
وتشعر بوخزاتٍ في الصدر
حين يخافني العابرون! 

الاثنين، 24 أغسطس 2015

لا أحد يعرف أين تذهب المحاولات








ربما لم يلحظ الغيم تلك الأشياءَ العالقة به

والحفلةُ أيضاً 
 لم تلحظ القفز اللانهائي للهباء الجريح

لا الطاولات المنكسّة آخر الليل
ولا حاويات الملابس المستعملة 
لاحظتْ صمت ياقاتٍ بيضاء لم يحالفها الهديل

لا أعمدة النور
ولا كيابل الانترنت في البحر لاحظتْ 
أشياءً عالقة
كانت لديها نزعة الوصول
إلى شيء
أو إلى أحد
أو إلى لا شيء ولا أحد



تلك الأشياء العالقة في ثقب الله في بقع الزيت في المحيطات في شباك العناكب في الغابات في الخزائن في الأقبية في أصواف الخراف التي تعبر الأسلاك الشائكة على الحدود

الأشياء الخفية العالقة في سياج الحياة وتخص أناساً لم يعد لهم عناوين

الأشياء العالقة التي أسماها أصحابها في الماضي (محاولات)




لا أحد يعرف أين تذهب المحاولات 
بعد موت أصحابها المحاربين
 أو خلودهم إلى رقة الجدران




المحاولات التي تخذل أصحابها في الأمتار الأخيرة من الورد

الكائنات الناقصة المضرجة بالنرد والعرق والخوف والتراتيل والدمع والخدوش والانزلاقات وعيون الملائكة الضيقة أين ينتهي بها الخيط؟

تلك العوالق التي ليس لها قوامٌ ودمٌ لتُرمى كالأجنة الناقصة في نفايات المشافي.. هل لها أجنحة لتعثر على استعارة أفضل من الأطفال ومجازٍ أفضل من الحياة؟

تلك الكائنات التي لها صبر البغال الكابية على البحر في قرى المتوسط .. تُراها تتألم وحيدةً بعد موت سائسيها الأشقياء؟

تلك السهام التي برينا بدموعنا ثم أطلقناها في فم الغابة، لكنها لم تقتل الليل ولم تعد لنا .. هل لا تزال جريحةً تحوم في الليل أم وجدتْ نفسها في جعبة أناسٍ آخرين يطلقونها أيضاً فلا تصيب ولا تعود ؟

ماذا تفعل البغال السود بنفسها إن لم تجد أحداً 
تصعد به الجبل
 أو تهبط به إلى البحر؟

ماذا تفعل السفن الجميلة في عرض البحر
حين يذهب الجميع للفردوس
 أو للجحيم؟

كنت سأدعو كل المحاولات التي أصابها اليتم في المدن
  لتناول القهوة معي أو قضاء الليل

لو كنت أعلم أين تعيش المحاولات الفاشلة
 بعد موت أصحابها المحاربين
 أو خلودهم إلى رقة الجدران

الأحد، 12 يوليو 2015

وصفات صلبة





وحيد القرن الأخير


في الساڤانا وحيد قرنٍ أخير على الأرض


وحيد قرنٍ بأعضاء ضخمة وبلا حبيب


وحيدٌ هائلٌ لكنه لا ينام إلا مخفوراً بحراسٍ أشداء مدربين


وحيدٌ صلبٌ كفضيحة


لكنه مضطر للجوء إلى آدميين لحمايته من آدميين آخرين يتربصون بقرنه الأخير على الأرض


وكما أن الطاعون يفضل الفتك بالأشداءيفضل التجار والقناصة والمرتزقة قنص الأشياء الوحيدة


ذلك أن الوحدة صلبة ونادرة
فكيف إذاً بوحيدٍ هو آخر الوحيدين


تروى إشاعات عن أسرار في القرن الوحيد المتبقي على الأرض
عن كنوز وهياكل ستنجلي لمن يحصل على قرن آخر الوحيدين


تروى إشاعات عن اختفاء الوحدة والقصائد والروايات الجيدة عند قتل الوحيد الأخير وأنه لن يكون بمقدور الناس قراءة الروايات العظيمة التي كتبت في السابقلأنهم سيحتاجون للوحدة التي ستكون ميتةً حينها


حينها وبدون الوحدة

وبدون الروايات العظيمة وقصائد الشر

سيكون على الناس أن يواجهوا كآبتهم كرجال ويطلقوا عليها الرصاص
أو يطلقوا على أنفسهم النار


لقد غيرت رأيي 
لستُ متعاطفاً مع وحيد القرن الأخيروعلى أحدهم أن يطلق عليه الرصاص! 



الأسنان تكسب الليل 



 بات عليهم أن يتقاسموا البيت مع آخرين.

 مع كائنات رخوةٍ  تترك دمنها وخرائبها في الليل. تنجو من حطب الموقد في كانون، تتسرب كغائب ، تتناسل كيأسٍ، تناور كنظرة، تتطمئن ككأس، وتتفادى كلعنةٍ
 يد المصائد والتجويع وموجات ما فوق الصوت.

 الذين زينوا الفخاخ بالجبن والصمغ وزبدة الفول والشوكولا كانت تضوع رائحة خوفهم في الفخاخ.
الخائفون في المساءات يجهلون ألا شيء يوقف الفئران.  فالخوف نزهة ليلية لدى الفئران . وكل مكانٍ تفكر فيه البغايا يصبح بيتاً باسمها .. يصير  نافذة.. أو وليمة على الأقل. 
إذ بأسنانها  لا بقلبها تبصر الفئران.

الوحيد تتنزه في حياته وسريره وتقرض أعصابه الفئران. تبول على رسومه وأوراقه ولا تعبأ بجلبته في الليل.
الوحيد يتعرق ويفكر حين يسمع برقها الرصاصي الخاطف في الليل :
بالأسنان القوية يُخطف العمر وتُردم قصص الغياب.
بالأسنان تُحفر الأنفاق وتُكسب الحرب.
بالأسنان تزداد خصوبة الطاعون، تسمم الروايات، ويُبال على ملابس الملوك في الخزانات

أسابيعٌ تمر كالوباء. الوحيد سدّ كل ثقبٍ. أخفى أرزاقه بإحكام و حصّن البيت بالسموم واليقظة والنعناع. حصّن البيت بضوضائه وتراتيله في الليل.  لا الخراب نفد والعاهرات لم يتوقفن عن التغوط والغناء.

لا فرق بين أرضٍ وماء
ولا بين قلعةٍ وحقلٍ في عقيرة الفئران.
فالفئران بحبال القراصنة وعيون المردة  تسرق الرجاء  الصالح تقرض الغيم تبول على زخارف المصحف تغني في السفن الناجية رغماً عن الأنبياء.

 إذ بأسنانها لا بقلبها تبصر الفئران. 
وأنت يا صاحب البيت لن تكمل الرواية ولا الحب والفأر يقرض كعكة قلبك الساخنة. 
يا الضخم المنهزم في منزله.
 يا الوجل من حداء القوارض ودبكتها في الخشب والليل خلف النوم وورق الجدران.

كان عليك بدل أن تحصي ثقوب البيت وتدرس أطلس المكافحة وخطط الأمل .. كان عليك أن تقر بالخسارة وأنت تبحث يائساً عن منزلٍ آخر في مدينة مفخخة بالفئران. 

كان عليك كي ترتق قلبك ..  
أن تدرس بصيرة الفئران.

@@@@@@@

سر الحياة  



الأطفال ابتكروا إلى متحف العلوم. قضوا وقتاً طويلاً في ورشة السير جيمس وات. استمعوا إلى هدير محركات البخار. استنشقوا الفحم الحجري وعبق مصانع النسيج. أبحروا بالسفن المحملة بالشاي والرقيق. ركبوا طائرة الأخوين رايت. وشاهدوا لندن وهي تقصف بقنابل الألمان. تنزهوا في عصبونات الدماغ ، وفككوا شيفرة الحمض النووي. صعدوا مع أبولو إلى القمر، وسبحوا في مجرة الحليب. وحين انتهو وأرادوا شراء تذكارات من المتحف: تركوا جيمس وات ومحركاته. تركوا أبولو والقمر. تركوا تاريخاً وحياةً طويلةً من خمسة أدوار. واشتروا وهم يتضاحكون:
علبة معبأة بالضراط!!


الأحد، 28 يونيو 2015

لا وقت يناسب الأهل (شذرات من صلوات رامبو)






لسنا أسوياء بما يكفي لتعليق صورة الجد. 

لقد عمّدتنا القسوة . طاردنا الأسلاف كي نلبس نظارة الحنان. أرهقنا امتداح القمح وكسرتنا هشاشة المواليد. قضينا الأيام والأحلام ونحن ندخن أرواحنا  سراً في دورات المياه. 

الوقت متأخر جداً لنحبّ الرحيق.

 الوقت متأخر جداً  لنسقي الجذور المحروسة بالسيف وخوف السيد العظيم.
 الوقت متأخرٌ ولن يأتي وقت يناسب العائلة.
لا نعرف أباً، نحن الذين ظللنا طويلاً نكتب، وظل الناس يهربون من ظلالنا الشائخة. ولدنا بسيقان طويلة في (غابات قزمة).
لم نرد إيذاء أحد. لكننا كل مرة نفسد كل شيء.
 لم نكن نحسن إلا المشي. ومن كثرة المشي صارت لنا أكبادٌ قاسيةٌ وحظوظٌ ضامرة صالحةٌ للسفر. 

الوقت متأخر جداً لنحبّ. 

الشجرة أبداً  لن تفهم أن المشي هو الجذر ، والعائلة لن تفهم أن المشي هو الأهل. 

***********
مشيتُ في مدنٍ مضاءة بعيون الأمهات،  وهربت إلى السجن في سفن (سكرى) مضاءة بالدموع.
أقمتُ وحيداً في فندق الكون. طفتُ بقهوة (هرر)  في موانيء البحر الأحمر والأبيض. نقلتُ رحيق الآلهة من جاوا ومخا. حمّصت حبوب البنّ فوق نار عَدَن. وتزنرتُ بالعملات الغارقة وعيون الغربان الهالكة في صحراء الصومال.
أوصلتُ القهوة لبيوت القهوة في أوروبا. لكن لم تفتني القهوة بل سحرتني الخطوات. لم يصبغ عيني النبيذ بل بسمة النادل.
مشيتُ طويلاً جداً حتى بردتْ وسط يدي كل فناجين القهوة. مشيتُ طويلاً حتى أنك لا تجد امرأةً كاملةً في أوراقي. 
مشيت ومن كثرة المشي  اصطدمت ركبتي بالإله.

وحين حملتني السفينة الأخيرة
وعدتُ بساقٍ واحدة للأهل. 

قالت الأم :(سعداءٌ هم الذين لا أولاد لهم). 
قالت الأخت: سأسهر عليه عسى أن يؤمن. 
قالت الجارة: فليدرك الرب من فاتته الصلوات. 
والطبيب قال بتواضع الأطباء حين يتورطون: الساعات بيد الله . 
أما الأصدقاء الصالحون فكانوا مشغولين ببناء منازلهم، ومصالحة زوجاتهم،
 لكن كلابهم نبحت، وغطاني نباحها جيداً قبل الموت. 

***********
 القهوة هربٌ أسودٌ من كذبة الأهل.
الشمال لا يُنبت البنّ. القهوة سرّة الجنوب والحزن.
 أما التبغ فهو غيمة ضائعة فوق جبال الآباء الذين أحبونا أقل من سمعتهم. 
الأوغاد، أولئك الذين لم يجربوا القطارات والسفن للهرب من الحب يروقهم وصف شاعرٍ ملعونٍ ب(البذرة الهرمة). 

 هربتُ من الجحيم والشعر بحثاً عن البذور.
تاجر بذور فاسدة أنا.
فشلتْ محاولاتي في محبة الأشجار فلم أصبح شجرةً ولم ألفت نظر الماعز الجبلي. لكن الرعاة في عَدَن يحكون أن الله كريم. الله كريم يا أختي وشعر رأسي رمادٌ في الثلاثين.
 لقد هربتُ من رأس الحكمة.  
أنا بخور الله الذي احترق في جزرٍ بدائية بعيداً عن البيت. لكن : هل تفهم الملائكة يا إيزابيلا* معنى البيت؟
هل يصيب عظامها الغرغرينا أو يدخلها البرد، وهل تجيد الملائكة تحميص القهوة يا إيزابيلا كما يفعل الأحباش؟ ما المقابل الذي ينبغي دفعه من أجل ريّ عينين بنفسجيتين؟ وهل الفراغ عملٌ صالح؟ 
سأنجو إذا نجوت يوماً من عيون الأموات.
لكن الشاعر يسافر العالم كله ، ثم يعود ليموت في مستشفى الولادة.

ولدتُ رماداً بساق واحدة فما جدوى حرقي وأنا رماد، وما جدوى العيش بعد الممات في مقابر الأهل؟
------------------------

* إيزابيلا شقيقة الشاعر الفرنسي آرثر رامبو



السبت، 16 مايو 2015

أكثر من محاولة لتحميض البيت





الحمامة


هناك حمامة وهناك حَمام.

هكذا تبدو اللقطة من شرفة هنري ماتيس. هكذا تبدو الريشة في مرسمه الذي تتنزه فيه الحَمَامات.

أنت مخطيءٌ إذا كنتَ تظن أن حمامةً حقيقيةً تطمئن لأيدي المصورين.

 أعط الحمامة يدك لا الإطارات. أعطها بَرْدك أو أعطها قلقك،  بيتكَ أو لا بيتك لا يهم.

أعطها شيئاً يمكن لمسه لكن لا تعطها هي للعابرين. 


الحمامة (الحمامة) تفهم أن زر اللقطة مثل الزناد. أن اللقطة شعلةٌ أولمبٍ تجعلها متداولة ومتاحة لهواة التصوير والقناصة والأصدقاء وكل العالقين بالشبكات الاجتماعية.


الحمامة تكسدُ حين يتم تداولها. الحمامة (الحمامة) لا تَعْلقُ، ولا تصلُ، ولا تستسلم لفكرة التقاط الصور مثل حمائم الساحات. فكما قلتُ: هناك حمامةٌ وهناك حمام.

 - الحمائم الجماعية فكرة خاطئة عن الأمن.

 - معالجة الخوف وظيفة الله وليست وظيفة الطير. 

- ثم إنه لم يعد منذ نوحٍ عشبٌ ولا صلاةٌ في أعين الحمائم كي تمنحه للسائحين.

تخلت الحمائم عن فكرة (الحمامة) في اللحظة التي قبلتْ فيها مبدأ الصورة مقابل البذور. الحمائم ك( سربٍ ) فكرةٌ نافقةٌ عن الحرية، تماماً مثل القهوة سريعة التحضير.

ثم ما الذي يجعل الناس موقنين أن حمائم الساحات ليست أسلوباً من البلديات لترويج السياحة. ما الذي يجعلنا لا نشك أن الحمام الأليف طائراتٌ بلا طيارٍ أو خدعةٌ دينيةٌ جديدةٌ من الحكومات.  

الحمامة (الحمامة) تسقي نفسها بعينها، وتزرع قمحها بالوحدة والنضوب.   


وعلى سبيل الفزع أو على سبيل الإطمئنان، أراقب كل صباحٍ حمامةً تطير وحيدة وترفض التصوير. حمامةً لا تحطّ على الإفريز، إلا حين تطمئن لمغادرتي للبيت، وكلما صوّرتها لا تظهر في الصور.

وحين لا أرى الحمامة أقول: الحمامة رسالة ناجين من شيء فظيع .. الرسالة التي حتى حين تُلتقطُ لا يمكن تظهيرها في الصور.

أما هنري ماتيس الذي تم تصويره قابضاً على حمامةٍ بيده ليرسمها،  فلم يمكن تأكيد نجاته حتى الآن.


@@@@@@@@@@

الاعتناء بحصان سباقٍ أعمى


يقول الطبيب والأصدقاء خلّصه بالقتل.
يقول المراهنون لا تراهن عليه.
يقول سائس الخيل: يؤذيه أقرانه إذا اكتشفوا عماه.
يقول الحوذيّ : يمكن إبقاؤه ليجرّ عربة سوّاح.
يقول موقع الاعتناء بالخيول العمياء: لا تهذّب هُدبَ حصانٍ أعمى، ولا شَعرَ شفاهه، فبهما يبصر العشب في الظلمات.


لكن كل ما يحتاجه حصانٌ أعمى ليسبق الدمع والخيل
كل ما يحتاجه حصانٌ أعمى للفوز
هو أن تتحدث معه كصديقٍ قديم. 


@@@@@@@@@@


عين الغراب



كل صباح
حين تكون الطفلة في حضانتها
ترسم أحراشاً
خاليةً من الطيور 
وتهديها للآنسة التي تختال في الأربعين: 
يحط غرابٌ على نافذة المنزل
يتأمل قصص الطفلة على الرف
 ودُماها الفاتنة على السرير  


الغراب ذاته كل صباح
حين يخلو البيت: 
يقف بأناقة لصٍ على الإفريز
يمسح بعيني صائغٍ حنون
كل  أذىً في عيون الدُمى
يلمّ الجوى من عيون الزجاج 
يدقّ على الزجاج قبلةً
 ويطير



@@@@@@@@@@


جيتارٌ مُدَخّنْ 



الجيتار والعازف ذهبا إلى الحرب
سوّياً  نزلا في شاطيء النورماندي 
وعزفا للجنود المبللين في الحرب

 سوياً  عبرا الخطوط الأمامية  لليل
وطويلاً عزفا  لتضليل رائحة الموت

كانا يغنيان للجنود الذين يحلمون بفتياتهم في الليل
ويرمّلون مدناً كاملةً في الفجر. 

ثم مات الجندي في القصف
 وأرسلوا جثته والجيتار للأهل 

وبدلاً من دفنهما معاً
وضعوا الجندي في مقبرة العائلة
والجيتار علقوه كالذبيحة في غرفة الجندي!

وهكذا
ظلّ الجيتار ثمرة جوزٍ
  محشوةً بقلب العازف الهش
وظلّ يفوح من أوتاره الخوف
ومن خشبه البارود
وسجائر الأصدقاء


@@@@@@@@@@



عصفورٌ وملقط غسيل




بعد أسابيع من مجاورته لعصفورٍ
على سلك الغسيل
لم ينبت لملقط الملابس ريشٌ 
ولم يصبح له صوتٌ جميل

العصفور قصّ عليه كل الحكايات
وأخبره عن البلاد

العصفور غنى له الأغنيات
وأخبره عن الكنز

لم ينبت لملقط الملابس ريشٌ 
ولم يصبح له صوتٌ جميل

لكنه صار دافئاً وخفيفاً
والملابس التي تربط به
لها رائحة الشمال!  



                                                              @@@@@@@@@@ 


طيور




 كلما مشيتُ في حديقةٍ
تنتابني العصافير
كما لو أنني
 خبزٌ متجولٌ من بقايا البيوت
أو فزاعةً تمشي
 وأثرتُ الفضول


كما لو أنني
طيرٌ فقد ذاكرته في عاصفة
وصار شخصاً مشرّداً
في حديقة عامة

والطيور كلما استيقظَ

تحاول انتشاله

أو تعليمه الطيران





الاثنين، 2 مارس 2015

منزل الريح








أول مرةٍ هبت الريح فيها لم يكن ثمة نارٌ ولا عشاقٌ يذهبون مع الريح.
 لم يكن ثمة سفنٌ ولا تجارٌ ولا أمهاتٌ على شاطيء البحر.
كانت الريح تتعلم الذهاب بلا أحدٍ إلى لا شيء.
ولم يكن سهلاً أن يكون للريح معنىً أو حاجبان فاتنان. 


طويلاً مشتْ وحدها الريح.

مشتْ قبل ظهور الغصن. قبل حياكة القميص. مشتْ قبل خصلة حواء. قبل ريش الحمام. 
ومن شدة المشي بلا أحدٍ صارت مرهفةً كالرمح، وقويةً كدموع الآباء.
 مع المشي  صارت الريح جميلةً كالبنات يوم الخميس.


لم يكن مهماً من أين تأتي الريح.
لم تعرف الريح يوماً أباً لها.
تعرّفت على الجهات بعد الهبوب.
وأحبتْ كالغربان التقاط الأشياء اللامعة.
 واحتفظت بالغنائم في الغيم. 
 

لا عش للريح.
 فالمنزل الضخم الذي بنته الريح طوال هذا العمر كان (الذهاب).
وكل الذين قرروا الذهاب مع الريح لم تغوهم الريح بل منزل الريح.
 الأطفال والعشاق الذين اختفوا فجأةً لم تعجبهم منازل الآباء وأحبوا منزل (الريح). والمظلات انكسرتْ في المهبّ لأنها ملّتْ من الأمل المتعرق في أيادي الناس. 


مرةً واحدة أحبت الريح فصارت رياحاً، وأنجبتْ حصانين لم يتوقفا عن الحمحمة والحرب.

 وحين انتهى الحب لم تنته الحرب. لكن عادت الريح إلى بيتها الرحب ، واستمرت في طلاء (الذهاب)، واستمر الناجون من مطويات الأمل، في اللحاق بالريح. 

السبت، 14 فبراير 2015

أقلَعنَ عن فيروز








نسوةٌ في مقهى الليل يقترحنَ أصواتاً لإخفاء مرور القطارات.

حين أشعل النادل فيروز اعترضن. قلن: لا نستطيع فيروز في الليل!

 كان محزناً أن نساءً في المدينة أقلعن عن فيروز. وأن الذين يفرّون من صوت فيروز في الليل في ازدياد. تماماً مثل معدلات الطلاق، ونسبة الطبيبات المدخنات، وظاهرة مدربات الحياة. 


كان محزناً أن فيروز باتت تشرب قهوتها وحيدةً في مقهى الليل.

أنا الذي دخلتُ معها السجنَ أعرف أن صوتَ فيروز خبزٌ وخمر وأحياناً فاكهةٌ يوسفيةٌ وسكاكين.

 خَلَقتْ لنا فيروز أوزونَ الصباحات.

كانت ترسلنا كأطفالها للمدرسة والوظيفة والحقل، ثم تغلق باب بيوتنا وتنام.

كانت تدس لنا حبق صوتها في الساندوتشات كي تستقيم ظهورنا في الطوابير والطرق المسدودة كل صباح.

لكن حين يجيء المساء نخاف من فيروز.

 نخاف من صورة الأم التي فشلت في الحب وعاشت تحذرنا من الحب ومن ترك الصلاة.

نخاف في الليل من فيروز. من عتب الإله الذي نأكل خبزه ونعصيه.

ومثلما كان لوركا يخاف أن يموت على مرأى من القمر الذي أحب. صرنا نخاف فيروز في الليل.

 فيروز في الصبح خبز الطيور، لكنها في الليل عظام الأحلام.

 ونحن نعلم أن فيروز في الليل رماد أرواحنا التي أوصينا بحرقها لنتفرغ للفراغ والكذب وما بعد الحياة. وأن أحداً مهما بلغ من القسوة لا يستيقظ من الموت ليصغي إلى مواويل رماده. نعلم أن فيروز في الليل قديسة اعترافاتٍ  وأننا نتحاشى تخاريم نافذتها العذراء وزجاجها المعشّق بملايين الانكسارات، كي لا تبتل حنطة أصواتنا في مقهى الليل.    

نعم. صادفتُ نساءً  تركنَ فيروز في الليل.

 وكم وددت أن أفعلَ شيئاً من أجلنا وأجلهنّ. وكم وددتُ أن أشرح لفيروز أن الأمر ليس شخصياً. لكنه يتعلق بهندسة الله لوردةٍ تصير قنفذاً أحمر في الليل. وأننا والبنات اللواتي فقدن أزواجهن ننكسر، كسيجارةٍ،  حين يشعل أحدهم فيروز في الليل.