الجمعة، 12 فبراير 2016

سماع








كانت تفاجئونا أغنياتٌ كلما خرجنا من البيت.
 وكان الهواء تسليةً ولعبة أصوات.

 إبرة البث لم تكن محميةً من عيون الطير أو قوادم الأغنيات.
وكان للأمر علاقةُ  بأشكال الهواء الذي يلفنا وتقاسيم الغيوم والنور.
ففي مواقف القبو تزدهر كانت نقرات السيتار وصوت مغنيات الهند.
وفي مواقف السطح المجاور للسوق كانت تهبط أغنياتٌ من مقاهي بغداد.
أما حين نهبط الوادي المطل على قصورٍ قديمة فتبزغ أغنيات نادرة من باريس الستينات.
لم نكن في السيارة نبحث عن موجة أو مغنين.
كنا نقودُ في كل اتجاه وكانت من لا مكانٍ تهبط الأغنيات. 


النفق الأخير في المدينة كان بحراً من وشوشات عصاةٍ وأنبياء وأشواق أسماك وُجدت بقاياها في الصحراء.
وما أن  يبتلع النفق المركبة حتى تختفي المحطات المبرمجة وتتشابك في هواء النفق حروفٌ قدسيةٌ مع أناشيد رعاة وآلات نفخ وأكورديونات.


في السيارة يبدو النفق الأزرق مقبرة بحرية، والمصابيح الصفراء أرواح موتى لا تزال حائرة تطفو منذ عقود.


كأن الأصوات المتشابكة كانت أمنياتٍ أخيرة تم دفن برادتها مع الأموات. 

 كانت تفاجئونا هجمة الأغنيات
التي كما لو كانت تظننا آخر الأحياء الذين احتفظوا بقدرتهم على السمع.


وبدا أنهم حين دكّوا الأرض لتسهيل المرور
 شتتوا الكثير من الموتى والأغنيات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق