كان ينفذ خطة واضحة
للانتقال إلى لا مكانٍ
ولا أحد.
وكان كلما أطفأ شمعةً؛ سقطت مدينةٌ من قلبه.
في الثلاثين تخفّى في الأطراف الشاحبة للعاصمة.
في الأربعين رأى ناراً في بلدة الأم.
في الخمسين بدا كقاتلٍ،
وأحب هواء القرى التي لا يمر بها أحد.
في الستين سقطت عن كتفيه المدن
فانتبذ إلى قرية صيادين ملقىً بها على البحر.
ثم قل عدد الذين يفكر بطعنهم في السبعين،
وأحبته الأسماك.
*** * ***
كان يفهم حزن الكلاب التي في الحدائق العامة تقتل الوقت.
وكان
يريد أشياء قليلة:
يريد مدينة كي يشفى من مدينة.
يريد صاحباً كي يحكي له عن صاحب.
يريد حبيبةً كي يقنعها بالتوقف عن الحب.
يريد أماً كي يصف لها أدوية أمه الميتة.
يريد قهوةً جيدة في النرويج
ليحكي لها عن القهوات السيئة التي تعرض لها في حياته.
يريد جداراً كتوماً بصورة رماديةٍ لبورخيس
كي يروي له مغمضاً
القصص المملة التي لم تحدث
لجدران البيوت التي آوته.
يريد طبيباً مأجوراً
يخلصه من الأجنة التي تركل بطنه في الليل.
يريد دمعة فتاةٍ من لشبونة
كي ينقذ السفن التي تحترق فيه منذ عقود.
يريد قارورةً جديدةً
كي يكسرها وهو يخبرها عن العطور التي وشتْ به.
يريد قراصنةً
كي يسترد عينه الغائرة
من طفلٍ يشاهد بها الرسوم المتحركة.
يريد أوسمةً
كي يربطها مع الأعشاب حول ركبتيه.
يريد صلاةً كي يصلي للآخرين.
يريد قرامطةً كي يطوف، وعطارين كي يطحن زهرة شبابه، وحلّاقين كي يتخلص من الخوف.
يريد كلاباً سلوقيةً ينقع أقدامها في طاسة حناء
ويركض وراءها حتى الموت.
ويد والده الضخمة
يد والده الضخمة يريد
كي يصفع الآباء الذين يأتونه في النوم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق