الاثنين، 29 يونيو 2020

رجال







ثمة رجال لم تلدهم أمهاتهم، ولدتهم الأشجار، لن يستطيعوا أبداً أن يكونوا آباءً أو يعتنوا بقلوب النساء الرقيقات. ثمة رجال ضربهم البرق، اختلطت دماهم بمخالب الوحش، ولن يستطيعوا أبداً أن يعيشوا في بيوت تفوح منها رائحة النساء المنهكات والأطفال النائمين. ثمة رجال يحترقون عندما يستيقظون لأنهم يشمون رماد النجوم في الصبح لا طين البساتين.

‏ثمة رجال لا يستطيعون العودة إلى أنفسهم، لأنهم يموتون وهم يعودون إلى الله. رجال يحتاجون إلى الجُمل الطويلة والكبريت والبحر كي يخرجو الأمل المتجمد في أنوفهم. رجالٌ يهربون من الحياة الجميلة، يموتون وحيدين في الغابة لا لأنهم يريدون الزنبق أو النسر، بل بسبب نداء غامض يشبه الشمس.

يخرجون في الفجر، للجري تحت السيل وهم يبكون، يجرون بلا سببٍ، مع رغبة ثاقبة بالموت في مقعد عمومي، أو برصاص المهربين الناصع النقي.

 يشربون قهوة الصبح في الخزف الأحمر، بيقظة كاملة، وعيون مدمرة، وهم يبصرون في النقيع سماً رحيماً مجلوباً من عصور الظلام.

 يهربون من العيون الزمردية للمواليد، محتفظين في جيوبهم بكروت الضجر، والأنوف الصناعية الدقيقة للعاهرات.

يشتهون نداوة الحصى، يختطفهم صوت الشرايين أكثر من الأثداء الوحيدة التي تُعصرُ في الليل.

 لا يجيبون الهاتف ولا يفتحون الباب. يشغلهم تقطير الخوف، يصوبون الشبابيك كل صباح بقارورة ماء، ليفزعوا الحمائم النائمة خلف الزجاج، ويشربوا بعدها الماء الذي دبّتْ فيه فقاعات الخوف ورغوة الأدرينالين.


 ينسون القلب الأبيض و الأصفر بنفس القدر من البرود الإلهي، يحرقون خشب الأثاث الرخيص والغابة الجليلة بنفس القدر من الاحتقار، بينما يبذلون  دموعاً وثنية صادقة لأوتار السيتار.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق