الأربعاء، 18 مايو 2022

زهرة الملل

 


السفر إلى مكانٍ جميل، موسيقى الحجرة، أناقة الصديقات، سهرة اللوز والتوت والعطر، الحب وما قبل الحب، النبيذ الأبيض الموسوم ب(الذيل الأصفر)، النبيذ الأحمر المسمى ب (الذئب)، الجعة الذهبية البافارية أو تلك الإيرلندية السوداء بطبقة الكريما،  الفتيات المصقولات في حلبة الندم، المرسى المدجج بالقوارب الغضة البيضاء، القطط والطفولة والشاي، المشي والتدخين، النافذة ووهم النافذة : فواصلٌ بيضاء في كتاب الملل.

أفكر بالملل. هذا الإله الذي يتيه في الناس وينسى كيف يعود إلى العرش. هذا الذي ملّ من هدوء الملائكة وفاضت كأسه على الأرض.

 هو الجمرة والكلام الناقص. الزهرة والغبار الموسمي. الصخرة السوداء التي تسيطر على الغابة. الفاكهة في كانڤس الطبيعة الصامتة.  الملابس المعلقة على الحبل منذ أسبوعين. مكعبات الثلج والفحم. سجادة اليوغا والصلوات. رجفة الماء في قنينة الماء. الصوت الحلو في إرسال مشوش متقطع. الحقد القديم للنرد. الغجري الذي يخطف أبناءه ويرسلهم للحروب. الساتان والصوف، الأبواب الزرقاء على البحر، الجرانيت  في بيت العائلة، الشمس في ظهيرة الرياض، والثعالب الضالة في الليل الإنجليزي. ونحن جند هذا الإله الحزين، المحكومون بصقل سهوه وشروده طيلة الوقت.

لا شيء تعلمنا إياه مئات الطائرات والبهجات الخاطفة. إنها لا تترك حتى أثر عضة، ولا ما يشبه الطلقات الفارغة التي يتركها الجنود الذين قتلهم الملل في الصحراء.

أفكر بأول رجل شعر بالملل، هل كانت تنقصه الحجارة والسهام كي يقتل الصحراء؟ هل كان رجلاً بالفعل؟ امرأةً؟  أم رجلاً وامرأة ملتصقين في سرير ؟ هل كان في كهفٍ أو حانةٍ أو معبد حين ظهرت له زهرة الملل فأطلق الصرخة التي تجثم فوقنا الآن؟

 أفكر بالملل. ألم يكن هزةً ورعشةً في العشية قبل أن توقظه الشمس ويخترقه الصداع؟ ألم يكن حجراً سعيداً في الغدير؟ 

أفكر أن الصباح أصل الشرور. والليل أشياء ليست لك. أفكر بالأسلاف الذين اخترعوا المودة ثم ماتوا لم يسمحوا لنا بالطيش. لو أننا بلا آباء لعرفْنا كيف نقتل هذا الليل.  ولكن ما فائدة هذا الآن؟

مللٌ في الممرات لا يحتاج  إلى شعلة أو مصباح. يعثر بلا جهدٍ 
عليّ، يترك برازه الصمغي على رئتي وينتهك جسدي طيلة اليوم. 

هذا الجسد الذي ينزّ منه الصمت، يشبه عامل منجم مات في انهيارٍ قبل سنوات. قتلته أعمدة الملح وهو يبحث عن عروق الأمل، وظلّ الملح يحرس جلده بإخلاص، من أسنان الجميلات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق