الاثنين، 20 يونيو 2022

البروق

 



البروق مكالمات فائتة لا يرد عليها الأصدقاء.


ندرك هذا في الصباح بعد توقف الأمطار، حين يتحدث الكل عن الارتواء والأودية

 ولا يتحدث أحد عن محاولات البرق كل مرة لكتابة شيء ما. 

يا ليتم البروق. 

لا يرون أنها تنتحر عارية من أجل غاية ما. 

لا يتحدث عن بسالتها الرعاة ولا الشعراء. 

لم يتحدث أحد عن البرق كجندي يصاب بالعمى

 فيطلق النار في كل الاتجاهات،

 يقتل الناس ربما، لكنه لا يقصد الإيذاء، بل يشعر بالخوف،

 ولا يدري من الأصدقاء.

الأحد، 19 يونيو 2022

فقدنا الريح





تحدثنا طويلاً عن البحر. 
..................................................

والبحر شخصٌ باردٌ لا يحب الحديث عن صورته ولا يدافع عن نفسه. 
هو الصدع والماء والريح والنار. كيف للأشياء كلها أن تتحدث في موجة واحدة؟

تحدثنا عن البحر هذا الصباح. 

رأيناه عالقاً في زرقة بالية. مبللاً طيلة الوقت بالعالقين فيه. متهماً بالقتل والغدر.
 مثقلاً منذ مولده بدعوات الهاربين فوق ظهور السفن. بصلاة الغارقين في جوفه الأحدب الطويل. 
وأقول إن البحر ساحة حرب. لكنه لم يختر الحرب. فلماذا نلوم البحر على الذين اختفوا فيه؟


أفكر أن الغضب الذي يطبع البحر ليس غضب البحر.
أن غضب البحر هو غضب الآخرين. 
أنه مزاج الآلهة وشقاق الأرض مع نفسها منذ وقت طويل.
 وقد خرج الأمر عن يدنا الآن. لأن البحر قبل قدومنا للحياة كان فكرةً مرتجلة لم تُصلح الحياة. 
لأن العشبَ الأزرق نزوةُ الألواح. 
لأن الماء خطأ اليابسة، والمحيط العظيم ندم السحاب.

قلنا كلاماً جارحاً عن البحر.

قلنا البحر ذريعة السلطان ومرايا اليأس الأخضر. يحيطونه باللعنات واللحوم الطيبة والمجد والموت. 
باسمه يقتلون وله يقدمون القرابين. يزوجونه العذارى ليهدأ والأنبياء ليؤمن. 
يعلّقون حدوةً صدئة فوق صدره  كي يبطيء السير.
 يكشفون له الأثداء الغضة كي لا يجذبهم إلى الأعماق.

لكن البحر ليس فاجراً أو كافراً أو مهووساً بنيل شيء. 
البحر يأس كبير. لا الأجساد ولا الكلمات تصل إليه. 
فالبحر عالق في نفسه مثلما أننا عالقون في سوادنا القديم. 
يعلم أنه يذهب ذات يوم إلى الجحيم. 
أو أنه سيصير الجحيم.

لذا يكتفي بتمرير حزنه بين قارتين، كاتماً سره كل يوم في آذان غرقاه.

تحدثنا طويلاً عن البحر.
عن الحب والقيء والموت والمعجزات. عن القراصنة والأوبئة. عن الصيد والعاصفة. عن الريح الطيبة والخيانات.

ثم توقفت أصواتنا فجأة في منتصف البحر.

وفقدنا كل شيء

حين فقدنا الريح.

 

الجمعة، 10 يونيو 2022

مسقط الرأس



الحياة أشياء تأتي في نهاية اليوم. 

التعب والعتب والخوف.

أشياء تأتي في نهاية اليوم. 

أقف الآن أمام نافذة المطبخ لأخلص الأطباق من جلوسها الحزين. تتشقق يدي من الماء. تقف الكواكب على الكتف مثل طير ملّ من السماء. تتهاوى الأسماء المستخدمة في النهار الطويل. يضيئون الملعب والساحة والبرج. تنساني النافذة التي كانت تتودد يدي في الصباح. تعود الحمامة إلى بيضتين في نافذة المنور. تقع ريشة على ذراعي، ويتطاير البوتاسيوم من الوريد. 

الحياة الآن عالقة في نهاية اليوم.

لأن القمر حُجة بالية لمديح الوقت، والغروبُ طعنة تحدث كل مساء.

لأن الخوف مسقط الرأس. والهزيمة محفوظةٌ في الكهرمان.

لأنني كلما أمسكتُ بحجر الحظ وقلبته وجدتً الخوف مكتوباً على ظهره. كلما كسرتُ بيضةً التصقت بيدي صرخة بيضاء. كلما تسللتْ نشوةٌ  إلى شفتي شعرتُ بخثرة في الساق. كلما صرختُ من نشوة العثور على يابسة فأجأني القراصنة بسيوف باردة زرقاء. وفهمتُ وأنا أغلق المزلاج كل دقيقة أن الناس هم الخوف.

ما دام هناك شخصٌ يعرف صوتك فأنتَ في قبضة الخوف. ما دام هناك من يصحو لينساك فأنت في قائمة الموت. ما دام لديك جرسٌ في البيت فسوف يستخدمونه لتدميرك. ما دمتَ تحلمُ فسوف يعثرون عليك. ما دام لديك نبتة تسقيها فأنت في عصمة الذبول. ما دام لديك قطة تطعمها فأنت على شفا حزن كبير. 

و‏أسوأ من خوفك، أن تخاف على الغرباء منك. لأن الخوف درّبكَ على الفتك.

 يدكَ المرتعشةُ مسننة وباردة، وقلبكَ متوجسٌ منك.

 خوفٌ لا تردمه الأمهات ولا دموع القواميس.

 لأنكَ تعرفُ جرحاكَ من لون عينيك.

 تعرفُ أن النجاةَ فتاة تضع كثيراً من المساحيق. وأنتَ تشتتُ المصادفات السعيدة بالركض الطويل وصعود الجبال.

 أنت الآن أيها الولد، ولدٌ خائف يعوّل كثيراً على سماعة الرأس، ويعشق الحرب والانفجارات.