أعرف أجراساً أكثر من أجراس الشك.
أجلس في مقهى ينشر أجراساً نحاسية في سقفه. أجلس، ولا أدري ما الذي تفعله امرأة مرهفة في مقهى يقرع الأجراس؟
حين يطلب الزائر قهوةً يقوم النادل بعد أن ينهي تخمير القهوة بقرع جرس بيده. يتوالى قرع الأجراس هنا وسط الأحاديث الخافتة. يقرع النادل جرسي وأنهض للقهوة. تتحدث المرأة المرهفة في هاتفها عن ولد يعاني الرهاب. هل ما زال يرفض الاستحمام؟ تهتف المرأة. وأفكر .. ما سر هوس المعالجين بفكرة تخلي شخص فجأة عن الماء؟ كأن الاستحمام دليل براءة.
على كل طاولة وضعوا جرساً من نحاس. فوق رأس المرأة المرهفة كانت تتدلى أجراس من السقف، وفي يدها يتعرق قلمي المعدني الثقيل.
كانت تتحدث وتكتب بالقلم فوق منديل، وكنت أنقر بيد واحدة فوق اللاب توب. كنت أشك ثم أوقن أنها ستذهب بالقلم بخفة الحواة المترحلين، هي التي تتحدث بصدق فني مع أمٍّ متخَيلَة عن إدمان ألعاب الفيديو ورهاب المناسبات. كان لها جمال الجواسيس وتحيط بها هالة من ثراء بغيض. وكان قلبي ينوس مثل بندول صدىء، وهو يتصور اختفاء القلم الذي أحمله منذ أكثر منذ عقد. القلم الذي شاهد كل شيء سيذهب الليلة مع امرأة مجهولة تحيط نفسها بهالة من طب وغموض وثراء.
كانت أقراطها تكفي لإشعال حرب، وساعتها كفيلةً بعلاج التاريخ. لا أدري كيف صدّقتُ امرأةً لا أعرفها، وأعرتها قلم العيش الذي لم يفارقني منذ سنين؟ ولا لماذا تركت المرأة كل الجيوب في المقهى واختار بصرها قلمي المسالم المطمئن في الجيب.
حين استسلمتُ للخسارة وأغلقتُ سحاب حقيبتي لأغادر المقهى، تدلتْ يدٌ من لا مكان. أشهرتْ يد المرأة قلمي في وجهي. كأنها سخرتْ من عماي، من نوبة القلق، وهي تدفع القلم ليلمس يدي الباردة الغائبة عن الوعي.
كان قلمٌ يحط على يدي وكان محاطاً بدفء سافر. كان نبضٌ وكانت شعلةٌ زرقاء تحيطان بالقلم الأسود. شعرتُ بما يشبه الشمس المجوسية في أصابعي حين استعدتُ القلم. شعرتُ أنني عدتُ للحياة أو عدتُ للموت. شعرتُ بالخواء والامتلاء. شعرتُ فجأةً أنني أضعتُ حياتي. وكان هذا مريحاً أو قاتلاً. وددت لو أن هذا كله لم يحدث. أفكر هل سممت المرأة التي تتحدث عن الرهاب قلمي الثقيل؟ والسم .. سينفذ إلى جلدي قبل حلول الصباح؟
توقفت يدي فوق القلم، ولم تتوقف الأجراس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق