السبت، 4 يناير 2025

الأولاد

 


الأولادُ بعيدون، لأنك لستَ في البيت.


والبيتُ بعيد لأنك في السهو.


تنام في مقاعد المطارات أكثر من غرف النوم. لا تصل لشيء، ولا يعرفك أحد.


لن يكون لك ولد، ولو أحبلتَ كل النساء. لن يكون معك ولد، ولو أحببتَ. لا أولاد لديك. ولو رفعتَ المواليد، وقصصتَ الحبال،في غرف الوضع.


الأولاد بعيدون، لأن السماء تطبق عليك. لأن الولادة بُعد. لأن الولدَ كذبة بيضاء، والأب مجازٌ في مكتبة الرمل. لأن الليل الأول نهبَ كل شيء، لأن العائلة ثقب في القلب. الضنى موت، والأبوة مزرعة الفقد. لأن التعب كمانٌ أسود ضخم. لأن الأرض جارحة، والدمع جدارٌ قصير.



الأولاد بعيدون، لأنك بعيد عن قلبك، وبعيدٌ عن العين. لأن وجهك في الينابيع، وقدمك في المتحف. لأن الكتب كدماتٌ والأسفار ندوب. لأن الشفاه تصير شوكاً مع الوقت. لأن الجيوب مليئة بالليل والصمت. لأن القبور صلبة والسفن متعبة. لأن الرمقَ في الفراشات، والنار نجمةٌ في كأس. لأن الآباء في نهاية الأمر لا يحصلون على شيء، والأصدقاء يكذبون عليك، مثلما كذب الوقت.



لا أولاد في البيت. لأن الأصلاب تجفّ كالورد، والبيت خريفٌ ثقيل. والذي يملك مجرفةً لا يملك يديه. لأن اليد في الصبح ليست يداً في الليل. والعين في الصحراء ليست عين الغابة. لأن رمان ركبتك ينفرط منذ أعوام في حِجرك الحسير.


الأولاد في الليل يبتعدون، لأن صدغك ملتصق بالنافذة، والنافذة ترتفع طابقاً كل يوم.


وينأى البيت. لأن البيت يدك التي سقطت منك وأنت تركض بين طائرتين. لأن الزمن حفرة زيت تظهر باستمرار، البحر يكبر، والسفر لا ينقذ أحداً.


لن يكون لك بيت وأنت تخشى البيت. لن تملك غرفةً للجلوس، أريكةً، أو مطبخاً يشبهك. لن تملك موقداً وأنت تكره الرؤى والأحلام. لن يصمد الباب، وأنت تخشى المفاتيح، وترهبك الريح والأجراس.



لا بيت ما دمتَ لا تذهب للنوم، وتخشى قيامك من النوم. الهدوء جلطة بيضاء. الأصوات العالية تقصّك من الجذور. تحية الصباح لا تختلف عن صداع الكحول. تذاكر السماء بيعت بالكامل. ملائكة اليمين لا تختلف عن الشمال. البحر يمتلىء بطرود الميلاد وأسلحة الحرب. والشمس في الجدي لا تشفي أحداً ولا تضيء الطريق.


لن يجيء أحد هذا الصباح، وأنت الوحيد الذي يستيقظ في هذه المدينة. عليك أن تنام جيداً كي ترى البيوت. عليك أن تنام كي يظهر الأصدقاء كالبرق، وأنت لم تنم منذ ذلك الموت.



الأولاد سيزدهرون بعيداً عن عينيك. الأولاد يذهبون للنوم والموت والمستقبل والأصدقاء. لأن الأولاد سحابٌ مبهجٌ وحزين. لأن الشمس امرأة في صندوق الرسائل القديم. ستهجرك الروح والكلمات. ووحدها القطط سوف تنام بين رجليك. أنت حارس الصباح الأخير. تضع العصا في الموقدة، والأسنان في الثلاجة. تصنع قهوةً كل صباح، تطرق بإصبعك التسبيحة الألف، والورق القرمزي يتساقط أمام عينيك في نافذة المطبخ.



فمن سيكنس حين تغيب، براز القطط الحزينة، رسائل الكهرباء والغاز، وكل هذا الورق الخريفي، في فناء بيتك الذي لم تمتلكه؟

 

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق